السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة، أبلغ من العمر 18 سنة، وأخي أصغر مني بسنة، يبلغ من العمر 17 سنة تقريبا، لدينا مشكلة منذ صغرنا، وهي حب الوقوف أمام المرآة، والتحدث مع أنفسنا، وتخيل أن هناك من يجلس أمامنا ويحدثنا، ولكني شعرت منذ فترة بأن هذا ليس أمرا طبيعيا، فكيف لي أن أتحدث مع أحد ليس موجودا؟ وكيف أسأل نفسي وأجاوب أيضا على نفسي بنفس الوقت؟
فهذا شيء غير معقول، فأصبحت أقرأ القران وأتقرب من الله، وأسمع سورة البقرة خوفا من أن يكون مسا أو عملا من أعمال الشياطين.
وفعلا بدأت هذه الحالة تذهب من عندي بالتدريج، ولكن لا يزال أثرها، ففي أوقات الفراغ أتخيل أي أحد أريد التحدث إليه أمامي وأحدثه، ثم أعود وأتذكر بأنه لا يجب علي القيام بذلك، فلا أكمل، وأشغل نفسي بأي شيء آخر، ولكن في بعض الأوقات تأتيني هذه الحالة أمام المرآة، وأقضي فيها نصف ساعة أو أكثر، وبالأكثر قبل أداء الصلوات الخمس.
ولاحظت أنني إذا جاءتني هذه الحالة أتحدث عن نفسي، وعن إنجازاتي، وعن جمالي، وكأني أريد من يسمعني ويستفسر عن شخصيتي لأتحدث عن نفسي، وأخي أيضا، ولكن الحالة لدى أخي أقوى بكثير مني، فأنا أفعل هذا وأنا بمفردي، ولا أظل في هذه الحالة كثيرا، وعندما كان أخي صغيرا ويفعل هكذا لم يكن أمام المرآة فقط، بل يتخيل شخصيات ويلعب معها، فأصبح أبي يستهزئ به وأمي أيضا، حتى إن أبي قال للجيران، فأصبح الجيران أيضا يستهزؤون به.
أما الآن فأخي طيلة يومه إذا مر على مرآة في المنزل وتأكد بأنه لا يوجد أحد قام بالتحدث إلى نفسه، وبدأت أمي تلاحظ هذا الشيء على أخي، ولم أخبرها بشيء مطلقا، وأحيانا يغلق أخي باب الغرفة ليتحدث ويتمشى أمام المرآة، فحالة أخي أكثر بكثير من حالتي.
وللأسف أخي غير منتظم في الصلاة، ولا يقرأ القرآن كثيرا، لقد احترت كثيرا في حالتي وخاصة حالة أخي، مع العلم أننا اجتماعيون جدا، ونتحدث مع الآخرين بطلاقة، ودرجاتنا في الدراسة عالية، ولا نعاني من أي مشاكل صحية من الناحية الجسدية.
والآن سؤالي: ما هذه الحالة؟ وهل هي مرض؟ وما علاج هذه الحالة؟ وما النصائح التي تقدمونها لي ولأخي تجاه هذه الحالة الغريبة؟
وجزيتم خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك وبأخيك في الشبكة الإسلامية.
الحالة التي تحدثت عنها وما يصاحبها من تصرفات فسرها علماء النفس بالسلوك، وهو نوع من محاولة استكشاف العالم واستكشاف الذات، وهذا نشاهده في مراحل الطفولة المتأخرة، وعند سن اليفاعة لدى بعض الأطفال واليافعين، ومحاولة استكشاف الذات هذه تتحول إلى نوع من النمط الوسواسي، أي يصبح السلوك وسواسيا، يؤمن الإنسان ويقتنع أنه سلوك ليس صحيحا، ولا داع له، لكنه يرتاح حين يمارسه، بل يجد نفسه مجبرا ليمارسه.
هذه الوقفات الطويلة أمام المرآة، والتحدث والسرحان بالخيال، والدخول في أحلام يقظة هي سمة من سمات الوسواس القهري.
بعض علماء النفس يشيرون أيضا أن الشخصيات المحبة لذاتها، أو الشخصيات النرجسية –كما تسمى– تتسم في بعض الأحيان بصفة من هذا الذي تحدثت عنه.
أيتها الفاضلة الكريمة: الوسواس يعالج من خلال التحقير، وعدم التطبيق، والإصرار على عدم الاتباع، وهذه قوانين سلوكية تنطبق تماما على حالتك وحالة أخيك.
إذن نحن الآن وصلنا للتشخيص، وهو أن هذا التصرف هو نمط وسواسي، بدأ بمحاولة استكشافات للذات، وربما يكون هناك شيء من النرجسية البسيطة، وكما تلاحظين أنه قد حدث تحسن كبير في حالتك، وهذا أمر جيد، وما دمنا الآن أصبحنا على بصيرة بالتشخيص وطرق المقاومة –فهي مهمة جدا–، والتحقير أفضل من المقاومة، والتحقير هو حقيقة نوع من المقاومة، فحقري هذه الفكرة ولا تطبقيها أبدا، وحين يأتيك الشعور بالذهاب والوقوف أمام المرآة والتأمل والتحدث إلى النفس، فهذا الشعور مهما كان ملحا قولي لنفسك: (هذا أمر وسواسي، أنا لن أتبع الوسواس)، بل خاطبي الفكرة، وخاطبي الرغبة، وخاطبي الإلحاح بأن تقولي: (هذه مشاعر قبيحة، هذه مشاعر سيئة، أنا لن أتبعها أبدا، أنا سوف أذهب وأقوم بكذا وكذا، مثلا: سأقرأ كتابا، أو سأقرأ شيئا من القرآن، أو أمارس شيئا من الرياضة)، يعني الوقت الذي يقضى أمام المرآة يستبدل بنشاط آخر مع التغيير الفكري.
هذه النصائح يجب أن توجه إلى أخيك الفاضل، وأعتقد أنه بالتدريج يمكن التخلص التام من هذه الحالة.
ولا بد أن تغيري نمط حياتك أيضا بصورة أكثر إيجابية، أنت في مرحلة التكوين النفسي والاجتماعي والوجداني، فضعي لنفسك خارطة لحياتك، لابد أن يكون لك آمال، لابد أن يكون لك طموحات، لابد أن يكون هنالك التميز الدراسي، المشاركات الإيجابية داخل الأسرة، بر الوالدين، الحرص على الصلاة، وهذا العمر الجميل هو العمر الذي يستطيع الإنسان أن يحفظ شيئا من القرآن، إن لم يكن كله، لأن العقول تكون متقدة، والخلايا الدماغية يكون لها القدرة على حسن الاستقبال والحفظ والتفكر، فأرجو أن تستفيدي من وقتك بهذه الكيفية، وأن توجهي كذلك شقيقك لما ينفعه -إن شاء الله تعالى-، ولابد أن يحرص على الصلاة، ولابد أن يتحدث معه الوالد أو أحد من الإخوان، بل يرافقه إلى المسجد، فهذا مهم.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.