السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة من الجزائر، أبلغ من العمر 18 سنة، أصبحت أعاني منذ ثلاثة أعوام من الوساوس في الوضوء والصلاة والعقيدة، تمكنت -بفضل الله- من التخلص منها، وظل وسواس الطهارة يلازمني إلى الآن، تحولت حياتي إلى جحيم بسبب الوساوس، صرت لا أذهب إلى زيارة أقاربي بسبب مشكلة الاغتسال وكثرة تبديل الملابس.
علما أنني على درجة من الالتزام، فلا أشاهد المسلسلات والأفلام، وأضع حدودا في تعاملي مع الذكور، ولكن الأفكار الجنسية لا تفارقني حتى في الصلاة ووقت قراءة القرآن، أحاول تجاهلها ولكن دون جدوى، وتنزل مني إفرازات عديدة لا أعلم إن كانت منيا أو مذيا؟ تعبت من البحث عن أجوبة تقنعني.
أصبحت أتصرف مثل المجانين وذلك حتى أصرف هذا التفكير السلبي، سئمت هذا الحال والآن نحن في شهر رمضان, فماذا يمكنني أن أفعل؟ لا أعلم ما هو الحل، في كل صلاة أعاني من نزول المذي أو المني، فأضطر إلى إعادة الوضوء والغسل وتبديل ملابسي، وفي بعض الأحيان أقضي أكثر من ساعة في إعادة الفرض، أسعى للتخلص من تلك الأفكار الجنسية التي تنتابني، أحاول تجاهلها وممارسة أي شيء لكن دون جدوى!
مشكلتي في تلك الإفرازات التي تنزل مني، صرت أفكر أنني لن أدخل الجنة، وسأكون من أهل جهنم ولن تقبل صلاتي أبدا، في بعض الأوقات أفقد ذاكرتي، وأنسى كل ما قرأته عن المني والمذي، أرجوكم أريد التفريق بين المني والمذي، وما الذي يجب أن أفعله؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ابنتي العزيزة: الوسواس هو فكرة تتسلل إلى داخلنا وتتكرر بصورة مستمرة، نحاول مقاومتها فنفشل، يحدث لنا قلق وضيق وبعدها نقوم بتكرار فعل لكي نرتاح قليلا، وهذا ما يحدث معك، تكرار فكرة الأفكار الجنسية معناه أنك غير طاهرة، ولذلك تقومي بتكرار الوضوء والغسل.
لا أدري هل أفكار جنسية فقط هي التي تتردد عليك، أم أحيانا تقومين بممارسة العادة السرية؟ إذا كانت أفكارك أفكار جنسية فقط ولا تمارسين العادة السرية، فلا أدري لماذا يتم نزول الماء منك؟ وأنا أفضل لفظ الماء عند المرأة بدل لفظ المني والمذي؛ لأن هذا عادة يستعمل عند الرجال، حسب ما ورد في السنة: (إن الله لا يستحيي من الحق؛ هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟) فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (نعم إذا رأت الماء).
على أي حال -ابنتي العزيزة- أنت تعانين من وسواس واضح، أثر عليك، وسبب ضيقا أيضا، ولذلك تحتاجين للعلاج، وعلاج الوسواس إما أن يكون علاجا دوائيا أو علاجا سلوكيا معرفيا، فلنبدأ بالعلاج السلوكي المعرفي؛ لأنه مفيد، ولأنه بدرجة مبسطة يمكن أن تحاولي تطبيقه في المنزل، وهو: الامتناع عن الاستجابة لهذه الوسواس الجنسية، مهما أدى إلى قلق وتوتر، لأن الاستجابة لها بالطهارة أو بالغسل الزائد أو بتكرار الوضوء هو الذي يؤدي إلى تغذيتها واستمرارها، امنعي نفسك من الاستجابة لها، حتى ولو أدى ذلك إلى أن تطلبي من أحد أفراد الأسرة مساعدتك في ذلك، وإذا كان في الإمكان التواصل مع معالج نفسي قريب فإنه سوف يقوم بمساعدتك مساعدة فعالة، يعمل جدول وواجبات منزلية لهذا العلاج السلوكي المعرفي. هذا من ناحية.
من ناحية أخرى: هناك أدوية كثيرة قد تستعمل مع العلاج السلوكي المعرفي لمعالجة هذا الوسواس القهري الاضطراري، ولعل من أفيدها -لا أدري إذا كان موجودا عندكم أم لا-، هي حبوب الفافرين، جرعة خمسين مليجراما، تبدئين بنصف -أي خمسة وعشرين مليجراما- بعد الأكل ليلا، وبعد أسبوع تزيد الجرعة إلى حبة كاملة، جرعة خمسين مليجراما، وعادة تحتاجين إلى الاستمرار في العلاج لفترة من الوقت قد تكون عدة أشهر، حيث مفعوله يأتي عادة بعد شهر ونصف إلى شهرين، ولكنك تحتاجين للاستمرار في العلاج لفترة ستة أشهر مع العلاج السلوكي المعرفي، وبإذن الله تعالى تختفي معظم أعراض الوسواس القهري الاضطراري وتعيشين حياة خالية من الوساوس وتواصلين حياتك في الواقع.
وفقك الله وسدد خطاك.
+++++++++++++++++++++
انتهت إجابة: د. عبد العزيز أحمد عمر.... استشاري الطب النفسي وطب الإدمان.
تليها إجابة: د. عقيل المقطري .... مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
+++++++++++++++++++++
مرحبا بك -ابنتي الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
إنني أجزم بأنه ما من أحد منا إلا ويأتي إليه الوسواس ويوسوس له في رأسه، غير أن الكثير يدفعون الوسواس بالاستعاذة بالله منه، وعدم الاسترسال والحوار معه، حتى أن الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- اشتكوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يجدونه في صدورهم من الوسوسة، واستعظموا ذلك، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الحمد لله الذي رد كيد الشيطان إلى الوسوسة).
فإذا كان قد جاء للصحابة وهم أصحاب الإيمان الراسخ فكيف بنا نحن؟ وقد دلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- على العلاج الناجع، وهي دلالة لنا من بعدهم فقال: (فإذا جاء أحدكم فليستعذ ولينته)، أي ينتهي عن الاسترسال، وقال في وسواس العقيدة: (فليقل آمنت بالله، الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، وقال في وسواس الصلاة: (فلينفث عن يساره ثلاثا وليستعذ)، فلما أخذوا بالعلاج النبوي خنس عنهم الوسواس ولم يعد إليهم، فعليك أن تأخذي بهذا العلاج، وقال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}.
وهذا العلاج يحتاج منك إلى مدة ليست بالطويلة، فإن ضعفت عن ذلك وبقيت على حالتك فننصحك بزيارة الطبيب النفسي بأسرع وقت، فالعلاج الدوائي مفيد -بإذن الله- إضافة إلى العلاج السلوكي الذي وصفه لك الطبيب الاختصاصي، وأما ما تعانينه من الإفرازات بسبب الأفكار الوسواسية فليست بناقضة للوضوء وصلاتك صحيحة، ولا تحتاجين للاغتسال ولا للوضوء ولا لتغيير ملابسك، فلا تلتفتي لوساوس الشيطان، ولا تصدقي ما يوسوس لك، وكوني صاحبة عزيمة قوية، فالوسواس يتقوى على من يضعف بين يديه، وما تقومين به من ترك الصلاة والذهاب للاغتسال والوضوء وتغيير الملابس هو ما يريده منك ليصل في النهاية إلى أن تتركي الصلاة، فإن حصل ذلك وجاء الموت وأنت قاطعة للصلاة استحققت عقوبة الله.
وهذه وصيتنا لك بكثرة ذكر الله والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأسأل الله تعالى أن يصرف عنك الشيطان الرجيم ووساوسه إنه على كل شيء قدير.