المزاج الاكتئابي دفعني لحالات نفسية متعددة

0 114

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب في الثانية والثلاثين من عمري، أعاني حاليا من ازدياد أعراض أعاني منها منذ سنوات، لكني كنت أتجاهلها بالصبر، وكنت ألوم تقصيري الديني أحيانا، لكني لاحظت مع مرور السنوات أنه وحتى وأنا مقبل على فروضي الدينية، كأجمل ما يكون من إقبال؛ فإن هذه الأعراض تبقى على ما هي عليه، وقد فتحت صفحة الاستشارات هذه مرات ومرات خلال سنوات، لكني سرعان ما أنسحب.

أما الأعراض فهي:

1. الحزن الطويل والخانق منذ لحظة استيقاظي وإلى لحظات منامي.

2. الكسل الذي يمنعني من القيام بأي شيء.

3. الانسحاب من أي تخطيط ثم عمل أقوم به، فما إن يشتعل الحماس بداخلي لشيء أقدر عليه، وهو من صميم طبعي وهواياتي، وأبدأ به حقا، إلا وسرعان ما أحس بخليط مقلق في نفسي يحجزني عن إتمامه، وكأن هناك من قيدني تماما عن السعي له، وهذا يزيدني كآبة، فأنا لدي هوايات وتخصص وأمور أسعى للعمل عليها منذ سنوات، فما إن أبدأ.. حتى أسقط سقوطا عجيبا يشل نفسي عن القيام بأي شيء، وهذا يمزقني من الداخل.

4. شدة القلق والتوتر والاضطراب، قد أقضي ليلة كاملة لا أدري أين أذهب، وماذا أفعل مع سعة الخيارات لدي لو كنت سويا، فأظل في مكاني حائرا ومختنقا، وكثيرا ما أبكي.

5. الانجراف مع التخيلات، أفيق أحيانا من نوبة أجد نفسي فيها أتخيل أنني أحاور غيري، وهذه معي منذ سنوات الطفولة لكن حدتها زادت.

6. كره لمواجهة الناس، وضيق في التجمعات، خليط من الرهاب الاجتماعي، وكره الناس، فأنا ليس لدي رهاب مثلا من مواجهة أصحابي أو قرنائي، لكن في المجالس العمومية الرسمية أجدني أعاني منها.

خلال الفترة الماضية أحسست بخطورة ما أنا عليه، فكل عرض من الأعراض زاد أضعافا مضاعفة، لأول مرة في حياتي أفكر بالانتحار، ويظهر أمامي سهلا هينا، ولأول مرة أجدني أنفجر بالبكاء ويضيق نفسي إلى درجة أكاد أموت فيها بلا حاجة للانتحار، وقد تركت الصلوات، وهجرت هواية القراءة، وانسحبت عن واجبات أهلي، من طاعة الوالدين للقيام بحقوق زوجتي وابني.

بدأت بالتدخين بلا أي سبب، وقد سلمت منه في الصبا وريعان الشباب، وأنا في انتكاسة لا يعلم بها إلا الله من كل النواحي، فلا تديني نفعني في فترات، ولا التدخين نفعني، ولا الانترنت نفعني.

أنا بلا شك أعاني من شيء يحتاج لدواء، لكن في مدينتي الصغيرة النائية لا يوجد طبيب نفسي، وراجعت صفحات الانترنت لعلي أعرف أنواع الحبوب، لكني خفت من أن أجازف بناء على ظن معرفي يظهر خطؤه بعد الاستخدام.

أنا أريد أن أتعالج وألتزم تماما بالعلاج، لكني لا أعرف كيف، ومن أين أبدأ.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو الهيثم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله تعالى أن يتقبل صيامكم وطاعاتكم، والحمد لله تعالى الذي وقفك هذه المرة أن ترسل لنا هذه الرسالة الجميلة والواضحة بذاتها، والتي سردت فيها الأعراض التي تعاني منها ومآلاتها بصورة جيدة وواضحة.

من خلال ما ذكرته –أيها الفاضل الكريم– أستطيع أن أقول لك كنوع من التقييم الأولي أنك بالفعل تعاني من مزاج اكتئابي، والمزاج الاكتئابي كثيرا ما يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي، وإلى التكاسل، وإلى الشعور بالكدر، وافتقاد الفعالية، وموضوع كره الناس، والانجراف في التخيلات: هذه قد تكون أيضا مصاحبة للاكتئاب في بعض الأحيان، وإن لم تكن أعراضا رئيسة وأساسية.

أنا أريدك أن تعيش على الأمل والرجاء، والأمل والرجاء حقيقة هي طاقات نفسية عظيمة، كثيرا ما نتناساها ولا نأخذ بها حين يمر علينا شيء من العسر المزاجي، أنا أريد أن أذكرك، هنالك أمل، هنالك رجاء، هنالك خير، وهذا إن شاء الله تعالى ينتصر على الشر.

لا بد –أيها الفاضل الكريم– أن تعلم نفسك أن تطرد الفكر السلبي، الفكر الذي لا خير فيه، وأن تستبدله بالفكر الإيجابي، وبالرغم من أنك لم تذكر عمرك لكن أحسب أنك في سن الشباب، في سن الطاقات، الطاقات النفسية والطاقات الفكرية، والطاقات البيولوجية، وهذا إن شاء الله تعالى يفتح لك أبوابا وآفاقا لتطور مهاراتك.

لا بد أيضا من أن يكون لك هدف في الحياة، الذي لا هدف له لا حياة له، وحين نضع أهدافنا يجب أن نضع الآليات التي توصلنا إلى غاياتنا، وأعظم هدف –أيها الفاضل الكريم– هو طاعة الله تعالى، بعد ذلك هنالك الأهداف التي تجعل الإنسان ناجحا وتجعل الإنسان فعالا، وتجعل الإنسان نافعا لنفسه ولغيره، وتجعل الإنسان منتجا، وهذه متروكة لكل إنسان ولظروفه وإمكانياته.

أخي الكريم: حسن إدارة الوقت نعتبره أمرا مهما وضروريا، وأزعجني قطعا قولك التفكير في الانتحار، هذا النوع من الفكر لا خير فيه، وأنت إن شاء الله تعالى لن تقدم على هذا العمل البشع والشنيع والخسران المبين، لأن المسلم لا يختار المآل السيء لنفسه.

الحياة أمل، والحياة رجاء، والحياة جميلة، هذا هو الذي أقوله لك وعد إلى الله تعالى، قال تعالى: {ففروا إلى الله} وقال تعالى: {فاذكروني أذكركم}، وقال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}، عد إلى القرآن واقرأ وتأمل فيه وتدبر آياته، سوف تجد نفسك، سوف ترتاح نفسيا، سوف تجد حياتك أحسن وأفضل، ولا يمكن أن تفكر في الانتحار بعد ذلك؛ لأنك تريد بعدها أن تحيا لتحقق قول الله تعالى، ألا وهو: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.

أريدك أن توسع من نسيجك الاجتماعي، أن تتفاعل مع الناس، أن تمارس رياضة جماعية، أن تحرص على صلاة الجماعة، وأن تقرأ، أن تطلع، أن تستمتع بقيمة العلم وقيمه العظيمة.

أما من حيث الدواء فالأدوية كثيرة، وأنا أعتقد عقار (زولفت) والذي يعرف علميا باسم (سيرترالين) سيكون هو الأفضل في حالتك، هو من أفضل الأدوية، ومن أجمل الأدوية، وهو متوفر في المملكة العربية السعودية، ولا يحتاج لوصفة طبية، الجرعة هي أن تبدأ بنصف حبة (خمسة وعشرين مليجراما) تتناولها ليلا لمدة أسبوعين، بعد ذلك تجعلها حبة كاملة (خمسين مليجراما) ليلا لمدة شهر، ثم تجعلها مائة مليجراما ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفضها إلى حبة واحدة ليلا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم تجعلها خمسة وعشرين مليجراما ليلا لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجراما يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات