أشعر بالفراغ الداخلي ولا شيء يجذبني في الحياة، فما سبب ذلك؟

0 336

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري 21 عاما، معروفة لدى الجميع بأن عقلي أكبر من سني، أدرس الطب التشخيصي دون اهتمام ولا أعطيه حقه الطبيعي رغم أنني فتاة ذكية.

منذ سنة وأنا أشعر بأنني فارغة تماما، ولا يمكنني الاتصال بقلبي أبدا، لا يمكنني أن أعطي عواطفي كما ينبغي، كل الأمور أراها بنظرة بواقعية بحتة، وخسرت الكثير من الصديقات لهذا السبب، ومع هذا لا أهتم.

أعيش فقط باعتبار أن استمرار وجودي في الحياة لضمان بقاء الإنسان وليبتلي ويمحص قلبه، لكنه نصيبي من الدنيا، وأدفع نفسي دفعا لأجله، حتى أنني فكرت بحياتي الزوجية مستقبلا، فأنا أتخيل نفسي متعبة لأنني أقوم بالدور كله دون تحقيق لمبدأ الشراكة، وأنها ستكون حياة رتيبة وجسدية لا معنوية، وعلى الرغم من ذلك فليس علي سوى المواصلة، علما أنني أتقرب إلى الله أكثر مما مضى، ولكنني فقدت قدرتي على البكاء، وأرجح ذلك للظروف التي تمر فيها البلاد خلال الحرب، ولأن الضغوط في ازدياد مسنمر، وأشياء كثيرة استبدلناها ببدائل أكثر صعوبة، واعتدت على ذلك ولا أجده سببا رئيسيا.

لا شيء يلفتني أو يستوقفني، وحتى الأشياء التي كانت تثيرني من قبل كقراءة الكتب لعدة ساعات لم تعد مهمة، حتى نوعية الكتب التي أحبها تغيرت، كنت أقرأ الروايات ولكنني اليوم تحولت إلى الكتب الدينية ، وكتب مقارنة الأديان، وكتب التاريخ وما إلى ذلك.

أنظر للغد كأنه اليوم أو أمس، ومن المستحيل أن يحدث أي شيء جديد، وإن حدث فإن السيناريو معروف سلفا، لأن القصص تعيد نفسها، كما لو أن الحياة دائرية بلا زوايا، تبدأ حيثما انتهيت وتنتهي حيثما بدأت، لم يمر أي يوم من أيام حياتي دون دراسة الاحتمالات، وأتوقع الأسوأ لأنني أخاف أن يكسر الأمل توقعاتي.

عائلتي متعلمة وحريصة كل الحرص على التعليم والحصول على وظيفة، لكن أسرتي لا تضع استثناءات للأنثى مقارنة بالرجل، بأخذ طبيعتها الفسيولوجية بعين الاعتبار، ذاكرتي ضعيفة جدا، وحدثت معي مواقف غريبة قبل عدة أشهر، مثلا: أتحدث مع أصدقائي ثم أقف في منتصف الكلام لأنني أشعر بأنني في مكان غريب وأنني غريبة، ولا أعرف عما كنت أتحدث في الأصل، وهذا الشعور يستمر لمدة دقيقة أو أقل، وأتجاوزه بأن أتظاهر بأنني أعاني من الصداع المفاجئ، وذلك حتى لا تستغرب صديقاتي، ومن المواقف أيضا أن أرى الأشياء البديهية كمفتاح الضوء أو المصباح أو حتى يدي بأنها أشياء غريبة.

ومن المواقف أنني استقبلت مكالمة هاتفية مرة وأجبتها بطريقة غريبة لم أستوعبها إلا بعد أن قلت ما قلته، وكانت المحادثة بهذا الشكل:
الطرف الآخر: الو.
أنا: وعليكم السلام الحمد لله وأنت؟
اعتذرت يومها وقلت للطرف الآخر بأنني لم آخذ كفايتي من النوم.

أشعر بأنني ميتة منذ زمن واستمراري غير حقيقي. مم أعاني؟ وما هو الحل؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sam حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا، والحمد لله على التزامك وعلى قربك من المولى الكريم.

بعد قراءة رسالتك وما بين السطور يبدو أن ما تعانين منه هو ما نسميه الميل أو النزعة للكمال (perfectionism)، حيث يميل الشخص في كل شيء يعمله إلى أن يكون كاملا، والكمال لله تعالى، وهذا الميل واضح من بعض العبارات في رسالتك، ومنها قولك: (لم أعش شيئا في حياتي دون دراسة الاحتمالات كلها).

وبالرغم من صعوبة هذا الميل الذي قد يصل إلى حد الوسواس القهري، وربما هذا الشيء موجود عندك حيث تشككين في جودة العمل الذي قمت به، حتى أنك تفكرين باحتمالات عدم النجاح في مشاريع المستقبل، ومنها مثلا الزواج، حيث ترسمين صورة سلبية للزواج وللعلاقة الزوجية، فأنت تحاولين دوما مراجعة الأمور والتأكد من أنها على ما يرام، وهذا وبحسب بعض التحليلات النفسية إنما هو رمز لبعض قلة الشعور بالأمن والاستقرار.

ويمكن لمن يعاني من هذا الميل للكمال أن يصاب بحالة من الاحتراق النفسي، وبحالة من التعب والإجهاد، فلا يعود يبالي بالأمور، ويكون قد انتقل من أقصى اليمين لأقصى الشمال، وهذا ربما الذي هو حاصل معك الآن، وربما ما ورد في سؤالك مما ذكرت من جو الحرب في البلد، مع أنك لم تخبرينا ببلدك، إلا أن هذه الحرب يمكن أن تكون قد ساهمت كثيرا في إحداث هذا الإجهاد والتعب والإحباط.

ولتغيير هذا الأمر ربما يفيد أن تفكري أولا بالنعم الكثيرة التي أنعم الله بها عليك، فأنت شابة موفقة بالدراسة حيث وصلت لكلية الطب. أمور أخرى في حياتك: أن تقتحمي مجالات الحياة والعمل، وأن تقبلي بالأعمال وحتى التي هي النصف "مطبوخة" والتي هي دون التمام، وتبتعدي عن الرغبة في أنك تريديه عملا كاملا، نعم اقبلي بأنصاف الحلول، فهذا أفضل من لا حل بالمطلق!

دربي نفسك شيئا فشيئا على أن تقومي بالأعمال غير المتقنة 100% وأنت قادرة على هذا، وهذا ملاحظ من خلال سؤالك الذي كتبت، فأنت لا شك قادرة على التغيير، وأنا أقول هذا من باب التشجيع ولفت نظرك لهذا.

واطمئني فأنت ستتمكنين من تغيير هذا النمط من الحياة، ولو بشيء من البطء، إلا أنك ستقومين به. وأرجو أن تستفيدي من جو الأيام الأخيرة من رمضان، شهر التغيير.

وفقك الله وجعلك من المتفوقين.

مواد ذات صلة

الاستشارات