السؤال
السلام عليكم
منذ الصغر -ونظرا لعامل الأسرة الذي كان سببا- وأنا أعاني من الرهاب الاجتماعي، ومن إفرازات لعاب بين كل كلمة وأخرى، وقد تعالجت منه بفضلكم بعد الله تعالى, لكن بقي أمر واحد وهو قلق الأداء اللحظي.
1- مثلا وأنا أصلي إماما إذا رأيت رجلا غريبا –ملتحيا مثلا أو زميلا أو آخر لم أصل به من قبل– يعود الرهاب كما لم أتعالج منه، ويتم هذا في الركعة الأولى فقط.
2- في بعض الأيام أجد يدي ترتعش عندما أستيقظ من النوم، أو ترتعش عندما أتناول الطعام، وأرفع يدي إلى فمي.
3- طلبت مرة للشهادة في المحكمة فوجدت نفسي مرتعشا جدا، وقلبي ينبض، وجسدي ينتفض، ويخرج مني اللعاب بين كل كلمة وأخرى، رغم أني أقف أمام الكثير في خطب الجمعة، ولم يحدث لي هذا.
ذهبت إلى الطبيب فطلب مني تحليلات للغدة الدرقية ولغيرها، وكلها كانت سليمة والحمد لله, وكتب لي مودابكس مرة في اليوم، واندرال 10 مرتين في اليوم, ومر شهر كامل ولم أجد تغييرا, حيث إني إمام وخطيب، وعمري 40 عاما.
فهل أتوقف عن الدواء، أم ماذا أفعل؟ بارك الله فيكم فأنا متابع جيد لكم، وملتزم بعلاجكم كما فعلت في بداية الامر, لكني أخطأت عندما لجأت لغيركم في المرة الأخيرة.
هل هناك إمكانية أستاذي الكريم لتناول دواء مهدئ قوي، وسريع المفعول للاستخدام عند اللزوم فقط كأداء لحظي، ولأتفادى به المواقف الصعبة، مع بيان الجرعة المناسبة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكر لك –أخي الكريم– تواصلك معنا في الشبكة الإسلامية، وثقتك في شخصي الضعيف.
أخي الكريم: عملية الرهاب والخوف واكتسابه من الصغر أنا أراها تجربة فكرية، يعني مكتسبة ومتعلمة، ومهما كانت الأسباب -وفي معظم الأحيان لا توجد أسباب– يمكن للإنسان أن يتغير ويتبدل.
وفي ذات الوقت –أخي الكريم– الخوف ليس فيه تجربة متراكمة، الخوف إن طال وقته أو قصر هو نفس الخوف، لذا يمكن التخلص منه، وبناء على هذا المبدأ –يا أخي الكريم- لا أريدك أن تتوقع أن ما حدث لك مثلا في المحكمة سوف يتكرر، ليس من الضروري أبدا أن يتكرر نفس الموقف إن ذهبت مرة أخرى إلى المحكمة، لا بد من أن تقنع نفسك أنك مقتدر، وأن هذا الخوف ليس من الضروري أن يحدث في كل مرة، وإن حدث فهو لحظي.
وفي ذات الوقت –يا أخي- ما تحس به من ارتجاف وارتعاش وتلعثم –كما ذكرنا كثيرا– هذا الأمر مبالغ فيه، إن حدث شيء من هذه التفاعلات فيكون في إطار محدود وبسيط جدا، وليس بالبشاعة التي يتصورها الإنسان.
والحمد لله تعالى أنت تخطب الجمع، وهذا من وجهة نظري قمة الأداء وقمة المواجهة الاجتماعية، وكل الأمور الأخرى يجب أن تهون، ويجب أن تنظر إليها بإيجابية أكثر.
الإكثار من التواصل الاجتماعي، عدم توقع القلق، الانخراط في الأعمال الاجتماعية، أن تطور من مهاراتك الاجتماعية، هي –أخي الكريم- السبل الأساسية للحل، وأنت رجل حباك الله تعالى بمقدرات وإمكانات وتقوى وصلاح، فهذا كله سيكون ركيزة قوية لك ليدفعك دفعا إيجابيا للتخلص مما تبقى من رهاب.
تمارين الاسترخاء والرياضة هي إضافات عظيمة جدا للقضاء على القلق، لأن مكون القلق هو المكون الرئيسي في حالات أي نوم من الرهاب.
بالنسبة للعلاج الدوائي: الأمانة تقتضي أن أقول لك إن الـ (سيرترالين) دواء رائع ودواء جيد جدا، ربما تحتاج أن ترفع الجرعة إلى مائة مليجراما –أي حبتين- يوميا، ويمكن أن تدعمه بأحد مضادات القلق البسيطة مثل الـ (موتيفال)، وتناول الـ (إندرال) بجرعة عشرين مليجراما صباحا ومساء لمدة شهر، ثم اجعلها عشرة مليجراما صباحا ومساء لمدة شهر آخر، ثم عشرة مليجراما صباحا لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
أما الـ (مودابكس) بجرعة مائة مليجراما أرى أن تستمر عليه على الأقل لمدة ستة أشهر، بعد ذلك يمكن أن تجعل الجرعة خمسين مليجراما، أي كبسولة أو حبة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر أخرى.
ويا أخي الكريم: قطعا توجد خيارات دوائية أخرى كثيرة، فالـ(زيروكسات) والذي يعرف علميا باسم (باروكستين) من أفضل الأدوية التي تعالج الرهاب الاجتماعي، وكذلك الـ (سبرالكس)، وحتى الـ (فافرين) وحتى الـ (بروزاك)، وحتى الـ (إفكسر) كلها أدوية أثبتت فعاليتها وجدواها، لكن –أخي الكريم– دعنا الآن نسير في هذا المنهج الدوائي الذي ذكرته لك، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به.
لا تتوقف عن الدواء، فالسيرترالين –والذي يعرف باسم مودابكس– دواء رائع، ودعمه بالموتيفال والاندرال كما أوضحت لك، ولا شك أن الفعل الكيميائي لهذه الأدوية تجمعي، بمعنى أن الجرعة تبنى على الجرعة التي تليها، وهكذا يتأصل ويكتمل البناء الكيميائي مما يجعل الإنسان يستفيد من الدواء، والدواء زائد التطبيقات السلوكية والنفسية والاجتماعية تدعم بعضها البعض.
أما بالنسبة للدواء الإسعافي السريع فعقار (ألبرازولام) والذي اشتهر باسم (زاناكس) وفي مصر أعتقد أنه يسمى (زولام): هذا دواء شائع الاستعمال للحالات الطارئة والتي تحتاج للتهدئة السريعة، لكن الإشكالية في أن هذا الدواء قد يؤدي إلى التعود إذا أسرف الإنسان في استعماله، وأنا أحسب أنك إن احتجت له سوف تتعامل معه برشد وحكمة، وفي هذه الحالة أقول لك: تناول ربع مليجراما عند اللزوم وعند الضرورة، والشرط الأساسي ألا تتناوله أكثر من مرتين في الأسبوع.
وأنا أعتقد أنك إذا التزمت بالكيفية العلاجية التي ذكرتها لك قد لا تحتاج له، لكن أقول لك: حاول أن توفر منه كمية بسيطة، اتركها معك، وإذا كانت هنالك ضرورة فيمكنك أن تتناولها، وألبرازولام بالفعل سريع الفعالية وجيد جدا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.