السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب تونسي، تزوجت من أجنبية عام 2014، وفي أيام زواجي حصل لي ضغط من التعب والإرهاق خصوصا أن الطقس كان حارا جدا، وأصابني صداع شديد لم أستطع النوم لمدة 3 أيام، عندها قابلت طبيب العائلة ووصف لي دواء Prazn، ومسحا على الدماغ.
استعملت الدواء لمدة 4 أيام وتحسنت حالتي، لكن بعد ما يقارب الشهر عاد الصداع مرة ثانية، وعلمت أنه بسبب عوامل نفسية من جراء العمل، فعدت لاستعمال الدواء مرة ثانية وحصلت على راحة لمدة أسبوع من العمل، ثم وصف لي الطبيب دواء xanax retard 1 mg لكن لا أستعمله إلا عند الحاجة. لكن أحسست أن بعض التعب النفسي من جراء ما حصل معي، وانتابني الشعور بالخوف من جراء العديد المشاكل التي تحصل في العمل، وكانت عملي كمحاسب بالشركة.
بعد سنة سافرت إلى لندن للالتحاق بزوجتي، وقضيت في الفترة الأولى 6 أشهر لم أجد عملا وأحسست بالقلق، وسامح الله زوجتي لم تسمح لي بزيارة أخي وبعض الأصدقاء؛ لأنها في الحقيقة لها الخوف من التعرف على امرأة أخرى من بلدي، وزادت علي من كلامها الموجع، أصبت بالقلق والاكتئاب، ذهبت إلى المستشفى فوصف لي الطبيب دواء Citalopram لكن عندما استعملته ليوم واحد زاد من حالتي سوءا، فتوقفت عن استعماله، والأعراض كانت: وسواس، عدم النوم، انعدام الشهية، ثقل، وإرهاق من لا شيء، الخوف من الموت، وتمني الموت.
عدت إلى تونس للراحة لمدة شهر، فاتصلت بالطبيب مرة أخرى فوصف لي xanax قرصا باليل، وparoxat 20 مغ في الصباح، تحسنت حالتي كثيرا، وعدت طبيعيا، بالرغم أني توقفت عن استعمال paroxat، وبقيت على استعمال xanax ليلا للمساعدة على النوم.
عدت إلى لندن مرة ثانية، لكن عادت لي الحالة تدريجيا، لكن أخف من المرة الأولى، وزادت زوجتي في سوء حالتي مرة أخرى، لأنها تعتقد أن ما أمر به ما هو إلا تمثيل للهروب منها!
وبعد 3 أشهر عدت إلى تونس مرة أخرى، وتحسنت حالتي بعض الشيء، وصمت شهر رمضان والحمد لله. اتصلت أخيرا بطبيب نفسي فوصف لي دواء Rozal 20 mg وvitamine E في الصباح، لكن بصراحة لا أريد استعمال الأقراص والحبوب، ولي ما يقارب 4 أشهر أستعمل نصف حبة من xanax عوضا عن حبة 1 مغ.
والأعراض التي أمر بها الآن هي: وسواس، وصداع، وإسهال، وضيق في الصدر في بعض الأحيان، لكن رجعت لي شهية الأكل والتركيز على التلفاز والتحدث مع العائلة والأصدقاء.
فبماذا تنصحني يا دكتور؟ وما رأيك في حالتي؟ بالرغم في بعض الأحيان أشك أن هذه الأعراض هي من جراء القولون العصبي، لأني في بعض الأحيان أسمع قعقعة في معدتي بدون أوجاع أو مغص، مع العلم أني أقوم بواجباتي الدينية والحمد لله كثيرا.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فيصل بشير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.
نرحب بك –يا أخي الكريم– في الشبكة الإسلامية، وجزاك الله خيرا أنك ملتزم بواجباتك الدينية، أسأل الله تعالى أن يزيدك طاعة وحرصا، وأن يثبتنا جميعا على المحجة البيضاء.
أخي: من خلال تدارسي لاستشارتك وما ذكرته من أحداث وأعراض نفسية بصورة متسلسلة وجميلة جدا، أقول لك أنك تعاني مما نسميه بعدم القدرة على التكيف أو عدم القدرة على التوائم، والذي يظهر لي أن شخصيتك في الأصل تحمل بعض جوانب القلق، وبعد ذلك أتى الزواج وعدم الاستقرار والسفر ما بين تونس وبريطانيا، وضغوط العمل، هذا كله أدى إلى عسر الحالة المزاجية لديك، وهذا ظهر في شكل ما نسميه بعدم القدرة على التكيف أو التوائم.
هذا من الناحية التشخيصية، ولا أعتبرها –أخي الكريم– حالة مرضية، لكن قطعا هي ظاهرة مزعجة لك، هذا لا أنكره أبدا.
الذي أراه –أخي الكريم– هو أن تصعد وترتقي بالإيجابيات الموجودة في حياتك، تصعدها فكريا، وترتقي بها معنويا، وتتحسسها، وتحول فكرك من فكر سلبي إلى فكر إيجابي.
أخي الكريم: أنت أفضل بكثير مما تتصور، هذا هو الذي أراه، لكنك تحتاج لشيء من التكيف، شيء من التوائم مع نفسك ومع وضعك الاجتماعي، وموضوع الزوجة أعتقد يحتاج أيضا لشيء من التعامل معه بحكمة، يا حبذا لو كانت معيشتكم مع بعضكم البعض، هذا أفضل -يا أخي الكريم– ولا شك في ذلك.
والأمر الآخر هو: ألا تحمل هموم العمل، العمل؛ الإنسان يجب أن يجيده، ويجب أن يكون مخلصا فيه، ويجب أن يسعى إلى تطوير نفسه من خلال عمله. هذه هي الشروط الأساسية التي أراها مهمة جدا لنرتقي بأنفسنا ونتجنب مشاكل الوظائف.
الأمر الآخر: أنت تحتاج لأن تنظم نومك، النوم الليلي المبكر يؤدي إلى ترميم كامل في النفس وفي خلايا الدماغ، وهذا يجعل الإنسان أكثر قبولا وأكثر انفتاحا على الحياة، وكذلك الرياضة، الرياضة أثبت الآن أنها أهم شيء بالنسبة لصحتنا النفسية، فواظب عليها، أن يكون لك مشاريع في الحياة، أن يكون لك أهداف في الحياة، مهما كانت هنالك مشاكل وصعوبات لابد أن تكون أهدافك جلية وواضحة وعملية وواقعية، وأن تضع الأهداف التي توصلك إلى غاياتك. هذا هو الإرشاد العام الذي أود أن أوجهك إليه.
بالنسبة للعلاج الدوائي؛ حاول أن تتجنب استعمال الزاناكس إلا عند الضرورة القصوى، هو دواء جيد ملطف للمزاج، يساعد على الاسترخاء ويحسن النوم، لكن يعاب عليه أنه قد يؤدي إلى التعود والإدمان، والإنسان إذا وصل لهذه المرحلة الإدمانية لن يستفيد من الجرعة التي كان يتناولها، لأن الظاهرة المعروفة بالتحمل -وهي ظاهرة كيميائية- تظهر، ومن ثم يحتاج الإنسان لأن يضاعف الجرعة مرات ومرات ليتحصل على الأثر الدوائي الإيجابي، وببناء الجرعة بهذه الصورة غير الراشدة سوف تحدث لديه ما يعرف بالآثار الانسحابية حين يحاول أن يخفف الدواء ويوقفه، ومن ثم يحدث الإدمان والتعود والاستعباد.
أخي الكريم: حين أنصحك بأن تكون حذرا حيال استعمال الزاناكس؛ هذا لا يعني أن كل الأدوية لها أضرار، بل على العكس تماما، توجد أدوية سليمة ولها منافع كثيرة، مثلا عقار (زولفت) والذي يسمى تجاريا أيضا (لسترال) واسمه العلمي (سيرترالين) أراه دواء مناسبا جدا لحالتك، والجرعة هي أن تبدأ بنصف حبة ليلا، 25 مليجراما، تتناولها لمدة 10 أيام، ثم تجعلها حبة واحدة ليلا لمدة 4 أشهر، ثم نصف حبة ليلا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
وتوجد أدوية أخرى كثيرة، مثلا عقار (دوجماتيل) والذي يعرف علميا باسم (سلبرايد) أراه أيضا دواء داعما وجيدا خاصة مع وجود الأعراض العصابية والقلقية التي تؤدي إلى ما يعرف بالقولون العصبي، فيمكنك أيضا أن تضيف الدوجماتيل، والجرعة هي كبسولة واحدة (50 مليجراما) صباحا لمدة شهرين، ثم تتوقف عن تناوله.
سؤالك أو شكك حول أنك تعاني من أعراض القولون العصبي، أو أن هذه الأعراض مردها للقولون العصبي.
أيها الفاضل الكريم: القولون العصبي أصلا هو القولون العصابي، يعني أنه ناتج من القلق، فما تحس به من أعراض في الجهاز الهضمي هي ناتجة من تشنجات عضلات القولون مما يؤدي إلى ما يعرف بالقولون العصبي، وهذه أيضا ينتج عنها القلق، يعني قلق يؤدي إلى قولون عصبي، والقولون العصبي يؤدي إلى القلق، وهكذا يجد الإنسان نفسه في هذه الدائرة المغلقة، لكن الأمر بسيط، وأرجو أن تأخذ بما ذكرته لك من إرشاد وتطبقه، وتتناول الدواء بالصورة الصحيحة، وبإذن الله تعالى تتحسن حالتك بصورة ممتازة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأشكرك مرة أخرى على الثقة في إسلام ويب.