السؤال
أنا أعاني من شرود الذهن وعدم التركيز في الاستماع أو التحدث أو القراءة أو الكتابة، أجد صعوبة قوية، عندما يتحدث إلي شخص بالكلام أكون مركز في أول كلمتين، وبعدها لا أستطيع أن أفهم شيئا، وأكتفي بالرد القصير، حتى أن الشخص نفسه يشعر بأني لم أفهم شيئا، وأحيانا عندما أتحدث إلى صديقي أجد صعوبة في توصيل الفكرة، وأتلعثم في الكلام لدرجة أني أشعر بالملل ولا أتكلم كثيرا، وأحيانا لا أرتاح إلا أن أكون بعيدا عن أصدقائي ولوحدي.
وأعاني من كثرة النسيان، فإن أضعت شيئا أبحث عنه ولا أستطيع أن أجده؛ لأني غير قادر على التركيز، والآن أنا في بريطانيا أتعلم اللغة الإنجليزية أجد صعوبة في الفهم داخل الفصل الدراسي، وعند الكتابة آخذ وقتا كثيرا حتى أكتبها في كراستي من السبورة، والمدرسين يلاحظون هذا الشيء، ولي حتى الآن أكثر من سنة.
عندما أدخل مطعما أو سوبر ماركت أتلعثم بالكلام، لكن بيني وبين نفسي أستطيع أن أتحدث بطلاقة، أما القراءة سواء كانت بالعربي أو بالإنجليزي أجد صعوبة في الفهم، أشعر أن عقلي مشغول بأشياء أخرى دون أن أفكر فيها.
لقد مررت بضغوط في عملي لمدة خمس سنوات بمسمى كول سنتر في قسم أعطال الإنترنت، وعانيت كثيرا.
أرجو الإفادة، جزاكم الله خير. هل أستطيع أن أذهب لطبيب نفسي في بريطانيا أو أنتظر إلى أن أرجع لدولتي بعد ستة أشهر؟
وشاكر لكم تعاونكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Talal حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا على التواصل معنا من بريطانيا، أعانك الله ويسر لك أمورك كلها.
لا تستغرب بأن ما وصفت في سؤالك حالة نفسية معروفة جدا نسميها الرهاب الاجتماعي، وهي حالة قد تبدأ فجأة، وأحيانا من دون مقدمات أو مؤشرات، حيث يشعر الشخص بالحرج والارتباك في بعض الأوساط الاجتماعية، وخاصة أمام الجمع من الناس وفي بعض المناسبات كالحديث أمام المعلمين والطلاب أو الأماكن العامة كالسوبرماركت، وقد يشعر الشخص باحمرار الوجه وتسرع ضربات القلب، بينما نجد هذا الشخص نفسه يتكلم بشكل طبيعي ومريح عندما يكون بمفرده وكما ورد في السؤال.
وقد يترافق هذا الخوف أو الارتباك ببعض الأعراض العضوية كالتعرق والإحساس وكأنه سيغمى عليه، أو أن الناس ينظرون إليه، وقد يحاول الشخص بتقديم الأجوبة القصيرة المختصرة أو حتى الإسراع بالخروج من المكان الذي هو فيه من أجل أن يتنفس لأنه قد يشعر بضيق التنفس وكأنه سيختنق، ومجموعة هذه الأعراض قد نسميها نوبة الذعر أو الهلع، وقد يوجد الرهاب الاجتماعي مع أو من دون نوبات الهلع. وفي كثير من الأحيان تؤثر هذه الحالة في التركيز والانتباه وكما ذكرت في رسالتك، وربما كونك في بريطانيا، وفي مجتمع غريب عن مجتمعك الأصلي يزيد في هذه الصعوبة، وطبعا ليس الحل في ترك بريطانيا والعودة، وإنما الاستمرار في تعلم ما أتيت من أجله.
وفي معظم الحالات، ينمو الشخص ويتجاوز هذه الحالة، وخاصة عندما يتفهم طبيعة هذه الحالة، وبحيث لا يعود في حيرة من أمره، وهو لا يدري ما يجري معه، فهذا الفهم والإدراك لما يجري، وأنه حالة من الرهاب الاجتماعي، ربما هي الخطوة الأولى في العلاج والشفاء.
وقد يفيدك التفكير الإيجابي بالصفات والإمكانات الحسنة الموجودة عندك، كذلك أن تحاول أن لا تتجنب الأماكن الخاصة التي تشعر فيها بهذا الارتباك كالحديث مع المعلمين، لأن هذا التجنب قد يزيد الأعراض ولا ينقصها، بل على العكس، والنصيحة الأفضل أن تقتحم مثل هذه التجمعات المجتمعية، ورويدا رويدا ستلاحظ أنك بدأت بالتأقلم والتكيف مع هذه الظروف الاجتماعية.
وإذا استمرت الحالة أكثر ولم تستطع السيطرة عليها فيمكنك مراجعة الطبيب في بريطانيا وحتى قبل العودة لبلدك، وليس بالضرورة الطبيب النفسي ولكن يمكن أن يفيدك كثيرا طبيب الأسرة (GP) أو الطبيب الذي يعمل مع معهد اللغة الذي تدرس فيه، والذي يمكن أن يصف لك أحد الأدوية التي يمكن أن تخفف وتعين، وإن كان العلاج الأساسي يقوم على العلاج السلوكي المعرفي، حيث يمكن أن يحولك لأخصائي نفسي.
وإن كنت أشعر بأنك ستقوم بتجاوز هذا من نفسك، وإلا فلا حرج من مراجعة الطبيب.
ويفيد جدا أن تقرأ عن الحالة والتي نسميها (Social Phobia).