السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور الفاضل محمد عبد العليم..تحية طيبة، وبعد:
والدي رجل في سن السبعين عاما، ووالدتي 67 عاما، وهما شركاء في قصة كفاح جميلة لبناء أسرة رائعة، وأجمل ما فيها هو الخير وطاعة الله والخوف منه، والأخلاق الطيبة.
والآن، والدتي تعيش عندي وبعض الأوقات عند أحد إخوتي، بينما والدي يعيش وحده في الشقة، يذهب إلى المسجد للصلاة في مواعيدها ويصلي كل فرض من فروض الصلاة في وقتها، وعنده عزة نفس كبيرة جدا، هذه نبذة مختصرة عن حالهم وما كانوا عليه وما أصبحوا عليه.
الوالد يقول إنه يسمع صوتا يخرج من أسفل والدتي، ويشبه صوت الجماع، ويزعم أنه ناتج عن جهاز مركب داخلها للاستمتاع، هذا ما يقوله هو، ووصل الأمر إلى أننا أجرينا أشعة على والدتي عند طبيبة نساء وأكدت أنه لا يوجد شيء، ففرح الوالد كثيرا واحتضنها، حتى إنه وزع آيس كريم على جميع إخوتي وأولادنا، ولكن ما لبث أن دخل الليل وتغيرت حالته، وبدأ يقول لها: "اتقي الله يا أم أيمن، خافي ربنا، أنت عندك أحفاد وعرايس". وفي بعض الأوقات، يقول لها: "اهتمي صرت لا أهنأ بنوم، وأنت تعاندينني"، وفي بعض الأوقات كان يضربها، وآخر مرة رفض دخولها البيت وقال: "أنا لا أعرف أنام لا ليل ولا نهار، فلتبعد عني هذا الجهاز".
ملحوظة: هذا الصوت الذي يزعمه الوالد أنه يسمعه كان أيضا يسمعه عندما كانت زوجتي تنام عندي، وكذلك يسمعه من أختي المتزوجة وزوجات إخوتي، وفي النهاية، لا نعرف ماذا نفعل.
لقد ذهبنا إلى طبيب نفسي، وأوصى بعمل أشعة مقطعية على المخ، واكتشفنا أنه يعاني من ورم في الغدة النخامية، وأجريت له عملية ناجحة منذ نحو ثلاث سنوات، والحمد لله، ولكن بعد العملية، بدأت الأعراض المذكورة في الظهور.
المشكلة الكبيرة هي أن الوالد لا يقتنع أبدا أنه مريض، أو أن ما يعانيه هو تهيؤات أو هلاوس سمعية.
أرجو منكم معرفة ما يمر به والدي، وهل هذا الوضع خطير أم لا؟ وهل له علاج؟ وبالمناسبة، الوالد يعاني من ارتفاع ضغط الدم.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أيمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله تعالى لوالدك العافية.
أيها الفاضل الكريم: ما يصدر من والدك من أفكار لا شك أنها أفكار مرضية، وهذا الأمر يسمى باللغة الإنجليزية (Delusions) ويمكن أن يترجم إلى (الضلالات) هكذا يسمونه، والبعض يسميه بالمرض الباروني، وبعض الإخوة يسمونه بالمرض الظناني، وهذه الحالة معروفة جدا، ووصفك لها وصف مثالي.
الحالة حالة مرضية - أيها الفاضل الكريم - أي نكران لها من جانبكم سيزيدها، أو أي خطوة لإقناع الوالد بصورة عملية أن هذا الأمر ليس صحيحا سوف يزيد منها، مثلا: الذهاب بوالدتكم الكريمة لعمل أشعة، هذا يعزز الشكوك البارونية، أنتم قمتم بذلك لإقناعه.
المهم -أخي الكريم- هذه الحالة تعالج بصورة جيدة جدا، 60 إلى 70% من الذين يعانون من مثل هذه الحالات يمكن علاجهم عن طريق الأدوية المضادة للذهان، ووالدك يحتاج لعقار ودواء واحد فقط، ونسبة لعمره لا بد أن تكون هناك حيطة وحذر حول سلامة الأدوية.
بالطبع والدك لن يعترف أن هذه حالة مرضية، وإذا قيل له ذلك هذا سوف يزيد من شكوكه البارونية المرضية الظنانية، والذي يقال في مثل هذه الحالات أنه (من المهم أن تذهب إلى الطبيب وتقوم بالفحص الدوري)، ويمكن أن يكون هناك اتفاق مع طبيب -طبيب الباطنية مثلا الذي سوف يفحصه- أن الوالد يعاني من الحالة التي ذكرناها، وأنه يحتاج لطبيب نفسي.
يمكن لطبيبه الباطني أن يتفاوض ويتواصل مع طبيب نفسي ليصف له أحد الأدوية التي تساعد في مثل هذه الحالات، هنالك عدة أدوية، أكثر من عشرة أدوية، كلها جيدة وفاعلة.
الطريقة الأخرى: قد ينجح طبيب الباطنية في إقناعه بالذهاب إلى طبيب الأعصاب، وهنا لا يوجد خداع إذا قلنا طبيب الأعصاب وليس الطبيب النفسي؛ لأن هذا هو المصطلح الشائع، -والحمد لله تعالى- مصر بها أطباء مقتدرون جدا، ولديهم القدرة التامة لإقناع والدكم بالذهاب إلى الطبيب وإلى تلقي العلاج.
أخي الكريم: هذا هو الذي أنصح به، وفي حالة تناوله للدواء يجب أن تكون هنالك متابعة.
من الأشياء المهمة جدا، هي: ألا تناقشوا والدكم الكريم في هذه الحالة، يعني دائما حاولوا أن تصرفوا انتباهه، إذا فتح الموضوع اذهبوا في طريق وتناقشوا معه موضوعا مختلفا دون إحراجه بالطبع.
الأمر ليس له علاقة مباشرة بورم الغدة النخامية، لكن ما دام الأمر حدث بعد هذه العملية ربما يكون هنالك اضطراب في كيمياء الدماغ خاصة لمادة الدوبامين، له علاقة بإجراء العملية، ومن ثم ظهرت عنده الشكوك الظنانية البارونية.
المرض طبعا خطير من الناحية الاجتماعية، وها أنتم تشاهدون والديكم بالرغم من التنشئة الجميلة والجهد التربوي العظيم الذي قام به، والدين والصلاح، وهو الآن متمسك بصلاته، وكذلك والدتك، بالرغم ذلك حصل هذا التفريق ما بينهما، وسببه المرض.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.