السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 26 سنة، أعيش في منزل خالتي منذ أن ولدت، علما بأني يتيم الأم والأب منذ الصغر، وليس لدي منزل، أعاني من مشاكل نفسية بسبب المشكلات الأسرية، حيث أني أصغر واحد، ولدي ثلاث أخوات وأخ واحد، وبالي دائما مشغول بمشاكل أخواتي البنات، فهن متزوجات من رجال يعاملونهن بقسوة، سبا وضربا وتطليقا وتهديدا، والاستحواذ على رواتبهن، وأنا ضعيف لا أستطيع الدفاع عنهن.
ومن ضمنهم ابن خالتي الذي أنا أعيش في منزلهم، علما أني ملتزم بالصلاة، وهذه المشاكل سببت لي اكتئابا حادا، لدرجة أني حاولت الانتحار ست مرات، ولم أذق طعم السعادة منذ صغري، فما نصيحتكم لنا؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أيها الولد المبارك في الشبكة الإسلامية وردا على استشارتك أقول:
كثير من العظماء كانوا أيتاما، فالنجاحات قد تولد من رحم المعاناة، فلا تبتئس ولا تكتئب، ولكن شق طريقك بثقة تامة، وستصل إلى أهدافك المشروعة -بإذن الله-، ولا تجعل اليتم عائقا عن تحقيق ما تصبوا إليه، ولا تجعله قيودا مكبلة لك.
كل شيء يسير في هذا الكون وفق قضاء الله وقدره، ولا يتخلف شيء عن ذلك، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
كل ما يحدث للمؤمن فهو خير له، وهو يتقلب بين الشكر والصبر، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن).
قو إيمانك بالله تعالى من خلال القيام بما افترض الله عليك، وأكثر من الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وذكر، توهب لك الحياة السعيدة، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
إياك أن تفكر بالانتحار مرة أخرى، فليس ذلك بحل بل هروب إلى حال أسوأ مما أنت فيه، إنه هروب إلى سخط الله وعذابه، فالمنتحر -والعياذ بالله- في النار كما ثبت في الحديث الصحيح: ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يتوجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا )، وفي الحديث الآخر ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى بادرنى عبدى بنفسه، حرمت عليه الجنة).
الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهما من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
أكثر من تلاوة القرآن الكريم وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
صل أرحامك وعظهن، وانظر أسباب تعامل أزواجهن معهن بتلك الغلظة والشدة، فقد يكون ثمة تقصير منهن، وابن علاقة أخوية مع أصهارك واهد إليهم، فالهدية تسل سخائم القلوب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابوا)، وانصحهم في الوقت والمكان المناسبين، وبأسلوب حسن وكلمات منتقاة مقبولة، واطلب منهم حسن معاشرة أخواتك وخوفهم بالله تعالى.
بإمكانك أن تسلط عليهم من الرجال الصالحين من يعينهم على تقوية إيمانهم، فالإيمان هو الذي يحجز صاحبه عن الظلم.
عليك أنت وأخواتك بالدعاء والتضرع بين يدي الله تعالى أثناء السجود، وفي أوقات الإجابة، أن يصلح الله أصهارك ويلهمهم رشدهم، وكونوا على يقين أن الله سيستجيب دعاءكم، واحرصوا أن يتوفر فيكم أسباب استجابة الدعاء وتنتفي الموانع، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ۚ) وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ۖ أجيب دعوة الداع إذا دعان ۖ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
اجلس مع أخواتك وأمرهن أن يحسن التعامل مع أزواجهن، وأن يقتربن منهم أكثر ويتفانين في خدمتهم، ويبتعدن عما يغضب أزواجهن، ويجتهدن في توفير سبل الراحة لهم.
أسأل الله لك التوفيق، وأن يأخذ بيدك لكل خير، ويصلح أصهارك ويلهمهم رشدهم، ويسعدك وأخواتك، إنه جواد كريم.
---------------------------------------------
انتهت إجابة: د. عقيل المقطري -المستشار الأسري والتربوي-،
وتليها إجابة: د. عبدالعزيز أحمد عمر -مستشار الطب النفسي وطب الإدمان-.
---------------------------------------------
الأخ الكريم: هناك مقولة مأثورة تقول: إذا رأى الإنسان مصائب الآخرين هانت عليه مصيبته، ثق – يا أخي الكريم – أن هناك أشخاص وأناس آخرين تعرضوا لأسوأ مما تعرضت له، والكل مبتلى على حسب الإيمان، فعلى قدر الإيمان يبتلى المرء، ومصيبتك تبقى مصيبة، ولنا ولك في رسول الله أسوة حسنة، فقد نشأ يتيم الوالدين، وتعرض لما تعرض له عندما بدأ يدعو بين قومه، فكن من الصابرين تكن من المبشرين بقوله تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} ولكن ما النتيجة؟ {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
اجعل ثقتك في الله قوية – يا أخي – ولا تفكر في الماضي، الماضي انتهى ولن يعود، لكن نستفيد منه كدروس للحاضر والمستقبل، وهي أيام مضت قال الله عنها: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} فلن يكون هذا الحال على الدوام، ولن يبقى الحزن إلى الأبد، ولن يكون الفرح إلى أمد، فسبحان الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وهكذا هي الدنيا.
أخواتك الآن تزوجن وأصبحن في ذمة أزواجهن، وهم مسؤولون عنهن، فاتركهن يحاولن حل مشاكلهن بأنفسهن، ولا تتدخل أكثر من اللازم في حياتهن الشخصية، اهتم بنفسك، اهتم بحياتك، اهتم بمواضيعك، لا أقول كن أنانيا، ولا أقول قاطع رحم، ولكن لا تحاول تغيير أشياء لا تستطيع تغييرها.
الشيء الآخر: الانتحار ليس حلا للمشكلة بل حل مشكلة بمشكلة أكبر وأعظم وأفظع منها، بل هو هروب، فكر في المستقبل، فكر في الجوانب الإيجابية التي حصلت معك، وأنا متأكد أنك سترى إشراقات كثيرة في حياتك، والحمد لله – كما ذكرت- أنك ملتزم بالصلاة، وهذا الحمد لله نعمة وفضل من الله تعالى، والصلاة قد تكون سببا في حمايتك من الانتحار، وأنت تعلم أن المنتحر خالد مخلد في النار.
إذا كانت هناك طريقة ما للكلام مع معالج نفسي لإفراغ ما بداخلك، فهذا سوف يكون مفيدا لك بالدرجة الأولى، وإن كان هناك اكتئابا فعلا يحتاج إلى علاج، فيمكن بعد ذلك إعطائك العلاج المناسب.
وفقك الله وسدد خطاك.