السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا أثق في موقعكم كثيرا.
شعرت بألم شديد في البطن أثناء النوم، وبعد قضاء الحاجة تلاشى الألم، علما أنه منذ فترة بدأ وزني في النزول، وربما يعود ذلك لسوء التغذية، لأنني لا آكل إلا وجبة أو وجبتين، حيث أن حالتنا المادية سيئة جدا، ولم نكن كذلك سابقا.
أخواتي يبحثن عن وظائف، والديون تتكاثر علينا، وأخي تعرض لحادث جعله مكتئبا، والمستشفيات الحكومية ترفض استقباله إلا بموعد، والخاصة لا بد أن ندفع لها مالا، ونحن لا نملك شيئا.
تعبت نفسيتي، وصرت أخاف من كل شيء، أخاف من المستقبل، وأن يطول البلاء، وأدعو الله أن يفرج علينا، وأنا أعلم أنه قضاء الله وقدره، وأنا لم أشتك لأحد غيركم لثقتي بكم.
سؤالي: هل إذا كنت صالحة فإن الله لا يستجيب لي؛ بسبب أن والدي غير صالح، لا يهتم بالصلاة، وبذيء الكلام، ويطعن في شرف الناس، يجحد نعم الله وينكرها.
أرجو منكم الرد علي في أسرع وقت ممكن، أخاف أن ينتابني اليأس في يوم من اﻷيام، وأخسر ما عند ربي من جزاء أعده للصابرين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وفاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كوني على يقين أن كل ما يدور في هذا الكون يسير وفق قضاء الله وقدره، ولا يتخلف شيء عن ذلك، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، والكيس الفطنة.
الغنى والفقر بيد الله تعالى، فيغني هذا ويفقر ذاك لحكم كثيرة يعلمها سبحانه وتعالى، ومن فضل الله عليك أنك مؤمنة بقضاء الله وقدره وغير متسخطة، والجزاء يكون على قدر البلاء، فإن عظم البلاء عظم الجزاء، والابتلاء عنوان محبة الله للعبد، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، وذكري والدك وأفراد أسرتك بذلك، وحذار من التسخط، وإلا فالجزاء من جنس العمل.
ما يصيب الإنسان من حوادث ونوازل ونكبات سببه المعاصي والذنوب، قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، ورفع البلاء لا يكون إلا بإحداث توبة.
قد يكره العبد أمرا، وهولا يعلم أن فيه خيرا له، وقد يحب شيئا ولا يعلم أن فيه شرا له، قال تعالى: (وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
الإعراض عن ذكر الله والتنكب عن عبادته، يجلب الحياة الضنك في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمىٰ).
قد يكون وراء هذه المحنة منحة ربانية عظيمة للعبد، ولا تدرك هذه المنحة إلا بعد مدة من الزمن، فهذه الحياة كلها ابتلاء، كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة ۖ وإلينا ترجعون).
تضرعوا بالدعاء بين يدي الله تعالى أثناء السجود، وفي أوقات الإجابة، وسلوا الله من فضله العظيم ما تريدون من خيري الدنيا والآخرة، واجتهدوا في أن تتوفر فيكم أسباب استجابة الدعاء، وتنتفي الموانع، ومنها الإيمان بالله تعالى والاستجابة لأمره والامتثال والانقياد لكتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فإن تحقق ذلك فيكم، استجاب الله دعاءكم وفرج همكم وكشف غمكم، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ۚ)، وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ۖ أجيب دعوة الداع إذا دعان ۖ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
عليكم بتقوى الله تعالى؛ فإنها من أعظم أسباب الرزق، قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ۚ)، كونوا متوكلين على الله في كل أموركم، عاملين بالأسباب الشرعية لطلب الرزق، قال المولى الرحيم: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا).
أكثروا من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
الزموا الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، ومغفرة الذنوب، وجلب الأرزاق، والقوة الحسية والمعنوية للأبدان، قال الله تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلىٰ قوتكم)، وقال: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له اجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
كوني متفائلة على الدوام، فالتفاؤل خلق نبوي كريم، وثقي بالله تعالى وبوعده، ولا تخافي من المستقبل، فالمستقبل غيب وهو بعلم الله وحده، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما نافسوها فتهلككم كما أهلكتهم).
لا علاقة بين دعائك وعدم صلاح الوالد، فاستجابة دعائك غير مرهونة بذلك، وإنما مرهون بتوفر أسباب استجابة الدعاء فيك، وانتفاء الموانع.
اجتهدي في تقوية إيمانك وإيمان أسرتك، عن طريق الأعمال الصالحة المتنوعة، تجلب لكم الحياة السعيدة الطيبة، كما وعد الله بذلك فقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ۚ)، وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ۖ أجيب دعوة الداع إذا دعان ۖ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
أكثروا من تلاوة القرآن الكريم، وحافظوا على أذكار اليوم والليلة تطمئن قلوبكم، كما وعد الله بذلك فقال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
أسأل الله تعالى أن يفرج همومكم ،ويرزقكم من فضله العظيم ويسعدكم، إنه سميع مجيب.