السؤال
السلام عليكم..
أنا فتاة، عمري 21 سنة، ملتزمة دينيا ومؤمنة بقضاء الله وقدره، لكنني لم أعد أحتمل حياتي، أشعر بأن كل شيء ضدي ويسير عكس ما أتمنى.
في طفولتي انفصلت أمي عن أبي، وعادت له في مراهقتي، لكني أشعر بأنه رجل غريب عني، لا يهمه أمري، ولا يسأل عن أحوالي، وجوده مثل عدمه في حياتي، وأمي تحبني، لكنها قاسية بطبعها، وأغلب تعاملاتها بعنف وشدة.
أهل أبي وأمي لا أعرف عنهم شيئا، ولا حتى أسماءهم، ولا أشكالهم، بيننا وبينهم مشاكل وقطيعة، ولدي إخوة من أبي أيضا مقاطعون لي ويكرهوني ويعاقبوني، لأني ابنة الزوجة الثانية التي تزوجها أبوهم على أمهم، أما جميع أصدقائي الذين عرفتهم في مراحل عمري المختلفة كانوا أصدقاء مرحلة ومصلحة غير أوفياء، بمجرد أن تنتهي مصلحتهم يتركوني، على الرغم من أني كنت أقدم لهم تضحيات كثيرة، لأني ليس لدي أحد، ودائما أشعر بالوحدة، فكنت عندما أتعرف على صديقة أتعلق بها جدا، وأعتبرها أختا، لدرجة أني أتصرف ضد مصلحتي لأجلهم.
على سبيل المثال: أهمل دروسي وأجلس معهم أذاكر لهم دروسهم، أو أقطع مسافة طويلة لأقضي لهم طلبا، أستمع لجميع أسرارهن، وأخفف عنهن، لكن للأسف خذلوني جدا، ولم يقابلوا معروفي إلا بالجحود، حتى عندما مرضت مرضا شديدا، ودخلت المستشفى، وكانوا يعلمون بما حدث لي، لم يسألوا عني، بل انتظروا حتى شفيت، وعاتبوني، لأني كنت طوال هذه المدة لا أسأل عنهم.
أنا الآن محطمة نفسيا، أكره الجميع، وفقدت ثقتي في الجميع، لا أريد أن أصادق أحدا، متعبة ومشتتة، ولكن رغم ذلك أفضل عزلتي، وأفضل الصمت عن الكلام، أبكي كثيرا، وفقدت رغبتي في الحياة، وفقدت أملي في الغد؛ لأني أحس بأن مستقبلي نفس حاضري، ونفس الماضي، لا أستطيع الذهاب لطبيب نفسي؛ لأن أمي غير مقتنعة، تقول لي: لست مجنونة، ولا أستطيع أن أذهب دون موافقتها، لأني لا أستطيع توفير المال، لكني فعلا أحتاج إلى مساعدة، ولجأت لكم على أمل أن تساعدوني، لآني أصبحت أعيش بأفكار سوداوية، وأتوقع أن يصيبني مكروه، أو سأموت، أو سأصاب بمرض خطير، وهذه الأفكار أتعبتني أيضا.
ومنذ فترة قصيرة تشاجرت مع والدتي، وذهبت للنوم، فسمعت صوت صراخ في أذني يختفي إذا فتحت عيني، ويعود إذا أغمضتها، وبدأت الدخول في النوم، وأصبحت أنهار كليا، أصرخ وألطم وأكسر وأخشى أن أفعل بنفسي أو بأحد مكروه ما.
أحتاج إلى مساعدتكم، ولكن بعيدا عن عبارات الطمأنينة، وأن الغد أفضل، وغيرها، لأني أصبحت للأسف لا أؤمن بها، ولا أصدقها، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ماهيتاب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -ابنتا الكريمة- في الشبكة الإسلامية وردا على استشارتك أقول:
اسمحي لي –يا ابنتي- أن أقول لك: إنك متناقضة في استشارتك، فكيف نوفق بين إيمانك بقضاء الله وقدره وبين هذا التضجر من الحياة؟
إن المؤمن الراضي بقضاء الله وقدره يمارس حياته بشكل اعتيادي، ويعمل بالأسباب التي تجعله يجتاز كل الصعاب، ويعيش بتفاؤل، ويتعامل مع الناس بأخلاقه لا بأخلاقهم، وإن جفوه أو ظلموه أو هجروه، ومهما كانت الحياة صعبة فلا يصرخ ولا يلطم ولا يكسر الأشياء التي حوله، ولا يعيش بأفكار سوداوية، أو يتوقع بأنه سيصيبه مكروه، أو أنه سيموت، أو سيصاب بمرض خطير، ولا يقول إنه لا يؤمن بعبارات الطمأنينة والتفاؤل، وأن الغد أفضل، ولا يصدق ذلك، فلولا التفاؤل -يا ابنتي- ما عاش الناس، ولقد كان من منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- التفاؤل، فكان يعجبه الفأل الحسن، ولنا فيه أسوة حسنة.
ووصيتي لك:
- أن تراجعي علاقتك مع الله جل وعلا، وأن توثقي تلك العلاقة فتحافظي على الفرائض، وتكثري من النوافل، فذلك سبب لتقوية إيمانك بالله، وهو ما يجلب لك الحياة الطيبة، قال الله جل في علاه: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
- ألزمي نفسك بورد يومي من القرآن الكريم، مع المحافظة على أذكار اليوم والليلة، ففي ذلك راحة وطمأنينة للقلب، كما قال ربنا الرؤوف الرحيم: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
- خذي بالوصايا النبوية، والتي منها ملازمة الاستغفار، والإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنهما من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكفى همك ويغفر ذنبك).
- وتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة وفي أوقات الإجابة، ومن ذلك دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
- واجتهدي في بر والديك، والتودد لهما، ونيل رضاهما، واطلبي منهما الدعاء، فدعوة الوالد لا ترد.
- كما ينبغي أن يكون لك دور في التقريب بين أفراد أسرتك، وحثهم على توثيق صلتهم بالله، والترابط بين الأفراد، والتحذير من مغبة قطيعة الرحم.
أسأل الله يفرج همك، وينفس كربك، ويسعدك، ويعطيك من الخير ما تتمنين، ويصرف عنك ما تكرهين، والله الموفق.