سوء ظني بمن حولي جعلني لا أثق بأي شخص، واعتزلت الجميع

0 328

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أقدم خالص شكري لكم، ولكل ما تقدمونه لمنفعة هذه الأمة، جزاكم الله كل الخير والأجر، وبارك فيكم.

أنا فتاة، أعاني منذ سنة تقريبا من سوء الظن بمن حولي، فلا أثق بأي شخص حتى أهلي وأصدقائي، مما جعلني في هذه السنة أنعزل عن الناس، ولا أحب أن ألتقي بأحد، أو أدخل معهم بنقاشات، لأنني أشعر بأنها تافهة، ومجرد ادعاءات وكذب.

لم أنزعج من هذه الوحدة، لأنني أعلم أنه من النادر جدا أن أجد صديقة طيبة من الظاهر والباطن، وبدون كذب أو خبث أو مصلحة، مع العلم أنني منذ صغري، وقبل سنوات كنت إنسانة طيبة جدا، أحب الجميع وأساعدهم دون أن أنتظر المقابل من أحد، ونيتي في ذلك نيل رضى الله، والحمد لله كنت دائما من الأوائل على مدرستي، وأي شخص يطلب مني أي شيء كنت ألبيه فورا، حتى صديقاتي اللواتي كنت أتنافس معهن، كنت أعطيهن كل ما عندي بدون أنانية، أو مصلحة، وأتحدث معهن بكل عفوية وصدق، وأساعدهن في كل مشكلاتهن، وأعتبر مشاكلهن هي مشاكلي.

عندما صرت في الثانوية، تلقيت عدة صدمات من أعز صديقاتي اللاتي كن يظهرن لي الحب ويخفين عكسه داخلهن، وتأكدت فيما بعد أن صداقتهن لي كانت للمصلحة فقط، وأصبت بالحسد والعين والحمد لله زال بالرقية وقراءة القرآن، بعد ذلك عاهدت نفسي على عدم مساعدة أحد، والابتعاد عن الجميع، ولكن سرعان ما عدت لطبيعتي، لإدراكي أن مساعدتي هي لله وليست للناس، إلى أن تعرفت في الجامعة على أصدقاء، سرعان ما تأكدت أنهم أسوأ من أصدقائي القدامى، فلم يظهروا لي المحبة فقط، بل يرافقه الكذب والافتراء والمشاكل التي كانوا يلحقونها بي دون علمي.

الآن وبعد كل هذا، أصبحت أكره الجميع، وأشعر دائما بالكآبة والحزن، وعندما يطلب أحد شيئا مني، أبدأ بصراع داخلي، وسؤال: هل هذه الصديقة تتظاهر بالمحبة لتأخذ مني ما تريد، أم أنها فعلا تحبني وتتمنى لي الخير؟ وهذا أول سؤال يخطر على بالي في تعاملي مع الجميع، لأنني أعطي بلا حدود، دون التفكير بأي مضرة من وراء هذا العطاء، ولا أطلب المساعدة من أحد، بل أعتمد على ذاتي، خوفا من اعتقاد الناس بأن وراء صداقتي لهم أي مصلحة، وحتى يبقى عملي خالصا لوجه الله.

أريد أن أرتاح من الصراع الذي يدور في عقلي ونفسي، كيف أتعامل مع الناس، كيف أعرف الطيب من الخبيث منهم، كيف أتفادى طعونهم لكي لا أشعر بالاكتئاب مرة أخرى، كيف أتخلص من سوء الظن بمن حولي لكي لا يحاسبني الله، لا أرغب بمن أظن بهم الخير وهم يضحكون علي من ورائي، ويضمرون لي الشر، أسئلة عديدة أرجو الإجابة عليها لكي أرتاح من وحدتي وصراعي اليومي مع نفسي، وشكوكي في الجميع.

أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا، والكتابة إلينا بما في نفسك، أعانك الله وخفف عنك هذه المعاناة.

واسمحي لي أن أجيب على سؤالك بشكل نقاط:
- التعميم، بعمومه خطأ، فالقول بأن كل الناس طيبون أو كلهم أشرار، غير صحيح، ففيهم من هذا وذاك.

- في حياتنا والناس من حولنا، هناك من نرتاح للتعامل معه، هناك من لا نثق به، وهذه مهارة اجتماعية علينا أن نتعلمها، فليس من الصواب أن نثق بكل الناس، ولا نثق بكل الناس.

- كلنا يحتاج للآخرين، والآخرين في حاجة لنا، والإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، فليس حل صعوبات الحياة باجتناب الاجتماع بالناس، وإنما الاختلاط بهم، ولكن مع وعينا بكيفية هذا الاختلاط.

- إن التجارب التي مررت بها من المفروض أن تعلمك كيف تفرقين بين من تثقين به، وبين من لا تثقي به، وحتى الذي تثقين به، ليس بالضرورة أن يطلع على كل شيء في حياتك، فحتى الذي نثق به، هناك أمور يفيد أن تبقى خاصة.

- من المهارات الاجتماعية التي كلنا يحتاجها أن يمتلك القدرة على قول "نعم" وعلى قول "لا"، فليس من المعقول أن نلبي كل ما يطلبه الناس منا، فعلينا أن نقرر متى نقبل ومتى نرفض.

- معك كل الحق في حرصك على عدم ظلم الناس، وأن لا نسمح لهم أيضا بظلمنا.

- معك الحق أيضا في أن الكثير من الناس إنما يهتمون بمصالحهم، وربما هذا أمر طبيعي، ولحد كبير، ولنحاول نحن أن نهتم بمصالحنا ولكن ليس على حساب مصالح الآخرين.

- حاولي الاقترب شيئا فشيئا من الآخرين، واختاري من تقتربي منهم ومن تضعي حدودا واضحة للعلاقة بهم، وبما يخدم مصلحتك ومصالحهم.

- جزاك الله خيرا على تقديم الخدمات لمساعدة الآخرين في سبيل الله، وكما يقال: "من نعم الله علينا حوائج الناس إلينا".

- وفي الأخير، أدعو الله تعالى لك بالتوفيق وحسن التصرف.

مواد ذات صلة

الاستشارات