السؤال
مشايخنا الكرام، أنا وضعت لي وردا أقرؤه يوميا من كتاب مختصر الفقه الإسلامي، ولكن عندما أقرأ كلاما له صلة بشهوة الإنسان يعني مثل الجماع أو أو...، يأتيني وسواس ويقول لي أنت فقط تريد أن تقرأ مثل هذه الأمور -يا ويلك من الله، أنت تقرأ الكتاب لكي تقرأ هذه الأمور، وأنا يعلم الله أني من بداية ما فكرت في قراءة الكتاب نيتي كانت من أجل اكتساب العلم والفقه الإسلامي.
وهذا الوسواس يأتيني خصوصا عندما آتي لباب النكاح، حتى أنني قلت لن أقرأ هذا الباب، ولكن عندما أفعل يقول لي: لكن حتى لو قفزته لا بد سيأتيك كلاما فيه علاقة بشهوتك، فأنا أقول إذا سأترك قراءة الكتاب.
سؤالي هو: هل أكمل قراءة هذا الورد اليومي؟ علما أني حتى لو انتهيت من قراءة الورد أعيده مرة أخرى .. ومرة .. ومرة، فهل أستمر وأترك الوسواس أم ماذا أفعل؟ علما أنه حينما يأتي مثلا كلاما فيه علاقة بشهوة الإنسان فإن النفس بطبيعتها تحب ذلك، مثل كتاب النكاح، فهل أنا آثم؟ لأن قراءة مثل هذه الأمور تسبب انتصابا في القضيب وتحرك الشهوة.
هل أستمر أقرأ ولو أتاني هذا الوسواس؟ أرجوكم حلوا لي هذه المشكلة، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكرك على تواصلك مع موقع الاستشارات في إسلام ويب، ونسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يعافيك من كل سوء ومكروه، وأما جواب ما جاء في طلب الاستشارة فيمكن عبر الآتي:
- الاستمرار في القراءة والمطالعة للكتب له أهمية بالغة في تنمية المعرفة، ورفع الجهل، وعبادة الله تعالى بشكل صحيح، ونحيي فيك الرغبة في القراءة، وننصحك بالاستمرار والاستزادة من ذلك، وفقك الله.
- أما ما يطرأ عليك من الوسواس، إنما هذا من عمل الشيطان يريد أن يصدك عن القراءة، ويوسوس لك أنك لا تقرأ إلا لأجل الأمور المتعلقة بالنكاح، وكونك أدركت أن هذا من الوسواس فهذا يعد جزءا من الخلاص منه، ومما يمكن أن ننصحك به في هذا الأمر:
- يجب أن تعلم أن الوسوسة من أقل مكائد الشيطان على الإنسان المسلم، وكونك تكره ذلك وتتمنى زواله، فهذه علامة على قوة الإيمان بالله، وأن هذه الوسوسة آيلة إلى الزوال بإذن الله تعالى. قال بعض الصحابة -رضي الله عنهم- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: " وقد وجدتموه؟" قالوا: نعم. قال -صلى الله عليه وسلم-: " ذاك صريح الإيمان " رواه مسلم وفي رواية: " سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوسوسة. قال: " تلك محض الإيمان " رواه مسلم.
- ومما يمكن أن ندلك عليه للخلاص من الوسواس أن تعلم أن للخلاص منه طريقان: طريق عام: وطريق خاص:
1- أما الطريق العام فيكون: بكثرة الذكر وقراءة القرآن والاستغفار وحضور مجالس العلم، والاستمرار في قراءة الكتب العلمية التي عزمت على قراءتها، فإن الذاكر لله تعالى ينصرف عنه الشيطان؛ وتزول عنه الوسوسة. قال ابن تيمية: "والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، قال تعالى: ﴿ إن كيد الشيطان كان ضعيفا ﴾ [النساء: 76]، وكلما أراد العبد توجها إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطع الطريق عليه". ومن العلاج العام للوسوسة أيضا: الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بصدق وإخلاص، كي يذهب عنك هذا المرض.
2- أما العلاج الخاص للوسوسة: فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" رواه البخاري. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله. وفي رواية: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله ثم ذكر بمثله. وزاد: ورسله " رواه مسلم.
ويمكن أن نستخلص طريقة علاج الوسواس من هذين الحديثين، وذلك بالآتي:
* قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عندما تطرأ عليك الوسواس.
* ثم قل آمنت بالله ورسوله، أو قل آمنت بالله ورسله.
* اترك الاستطراد في الوسواس فلا تلتف لما جاء فيه، من صد عن طلب العلم، أو الصد عن القراءة النافعة.
قال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواء نافع هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك، لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها".
أما ما ذكرت من تهييج الشهوة عند قراءتك للأبواب أو المسائل المتعلقة بالنكاح، فللجواب عن ذلك يمكن أن يقال: أن هذا الذي يأتيك قد يكون من آثار الوسواس، فنأمل منك أن تكثر من ذكر الله تعالى، وأقنع نفسك أنك الآن تقرأ للعلم وليس للتلذذ وتهييج الشهوة، وإذا رأيت أن الأمر يتطور فأمامك سبيلان: الأول: المسارعة إلى الزواج وبه يزول عنك ما تجد بإذن الله تعالى، وأما الثاني: إذا كنت لا تقدر على الزواج في الظروف الحالية فيمكن أن تكثر من الصيام، وابتعد عن الأكلات التي تهيج الشهوة في النفس، وحاول عندما تمر على أبواب النكاح في كتب أهل العلم أن لا تقف عندها كثيرا أثناء القراءة، وإنما مر عليها سريعا.
نسأل الله تعالى أن يفرج عنك، وأن يصلح شأنك.
++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور مراد المقدسي (مستشار العلاقات الأسرية والتربوية )،
وتليها إجابة الدكتور محمد عبد العليم (استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان).
++++++++++++++++++++++++++++++
أفادك الأخ الشيخ الدكتور مراد القدسي بمعلومات طيبة وتوجيهات رشيدة، فأرجو أن تتبعها، واعرف - أيها الفاضل الكريم - أن هذا وسواس، والذي يظهر لي أنه وسواس ذو طابع خناسي - أي من الشيطان الرجيم - فأكثر من الاستغفار، وأكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان، وخذ بالمعوذات الثلاثة (قل هو الله أحد)، و(قل أعوذ برب الفلق)، و(قل أعوذ برب الناس)، وسوف يخنس هذا الوسواس إن شاء الله تعالى، ولا أعتقد باستعاذة واحدة من الشيطان الرجيم تكفي، بل يجب أن تكون باستمرار وعلى الدوام، بل تكون مثل الأذكار التي تردد مائة مرة أو أكثر.
وفي حالة استمرارية الوسوسة هذا يدل أن هنالك تغير كيميائي حصل في الدماغ، لأن الوساوس ذات الطابع الطبي ناتج من تغيرات في إفراز مادة تسمى بالـ (سيروتونين) في مناطق معينة بالدماغ، وحتى إن كان الوسواس خناسيا ولم يذهب من خلال الاستعاذة فهذا يعني أن الشيطان بالفعل قد خنس ولكنه ترك أثرا كيميائيا، لا بد أن يعالج سلوكيا ويعالج عن طريق الأدوية كذلك، وهذا هو المنهج الذي سوف أنتهجه معك.
ما ذكره لك الشيخ الدكتور مراد القدسي من أحاديث نبوية هي جوهر العلاج السلوكي، كيف نتخلص من الوسواس؟ كيف نقاوم الوسواس؟ كيف نقهر الوسواس؟ وأود أن أضيف لك - أيها الفاضل الكريم -: أريدك أن تلجأ إلى وسيلة سلوكية أخرى تعرف بالتنفير، أي أن تنفر الفكرة، أن تطردها، أن تضعفها، وذلك من خلال تمرين بسيط جدا: اجلس أمام طاولة في مكان هادئ داخل الغرفة، وفكر في هذه الوساوس - وساوس الشهوة التي تأتيك حين تقرأ هذه الأبواب - وقم في نفس اللحظة بالضرب على يدك بقوة وشدة شديدة، من المفترض أن تحس بألم شديد. أن تقرن بين الألم وبين التفكير في أمر الشهوة هذا هو الفن العلاجي المطلوب، لا بد أن يكون هنالك اقتران بين الاثنين، والألم مضاد تماما لمحتوى الوسواس، ولذا حين تكرر هذا التمرين سوف يضعف الوسواس تلقائيا، هذا أسلوب علاجي علمي يجب أن تنتهجه.
والتمرين الثاني هو ما نسميه بـ (توقف الأفكار): خاطب الفكرة الوسواسية مباشرة قائلا: (قف، قف، قف) حتى تحس بالإجهاد، ثم قل: (قف أنت وسواس حقير، قف أنت وسواس حقير، قف أنت وسواس حقير) وهكذا...
هذه تمارين مفيدة جيدة، وفي ذات الوقت يجب ألا تحاور الوسواس، لا تناقشه، إنما تقول: (آمنت بالله) ثم تنتهي. أغلق على الوسواس الباب، أي حوار مع الوسواس سوف يؤدي إلى تعقيده وزيادته، وكما أفادك الأخ الدكتور الشيخ مراد القدسي: لا تتجنب القراءة، اقرأ، التجنب يزيد من هذه الوساوس، اقرأ واطلع وتعلم، حتى الأبواب التي تتكلم عن النكاح اقرأها وافهمها، لكن يجب أن ترتقي بمفهومك.
البشرى التي أريد أن أزفها إليك أن الوساوس القهرية الفكرية المستحوذة من النوع الذي تعاني منه يستجب أيضا للعلاج الدوائي، وكما ذكرنا سلفا فإن هنالك تغيرات دماغية تحدث للمواد التي تسمى بالموصلات أو المرسلات العصبية خاصة المادة التي تعرف باسم (سيروتونين) وهذه المواد يصعب قياسها في أثناء الحياة.
أفضل دواء هو الـ (فلوكستين) دواء سليم جدا، ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، تناولها بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم اجعلها كبسولتين في اليوم - وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك - ويجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى جرعة وقائية، وهي كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.
دواء سليم، غير إدماني، وغير تعودي، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به، ولو قابلت طبيبا نفسيا أيضا سوف يكون أمرا جيدا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.