السؤال
السلام عليكم
أعاني منذ الطفولة من ضعف الشخصية، وعدم الثقة بالنفس، كنت متفوقة في كل مراحل الدراسة، دخلت المرحلة الثانوية وابتليت بمدرسة تسخر مني وتقلل من شأني، وتنعتني بالعبط، علما أني كنت متفوقة في مادتها، وحاولت كثيرا أن أثبت لها تفوقي، وتسبب هذا التصرف في انعدام ثقتي في نفسي، وعدم تقديري لذاتي.
كان أبي وأمي يتهماني بالكسل وعدم بذل الجهد، والحقيقة أني كنت مجتهدة، فطلبت تغيير المدرسة، ولا مجيب، فطلبا مني التركيز في دراستي.
تراجع مستواي الدراسي، فصرت أعاني وأبكي بلا سبب، حتى وصلت الجامعة، وتخصصت في اللغة الفرنسية، وتابعت الدراسة بلا همة ولا ثقة، وكأنني أقوم بواجب، وحتى أشجع نفسي أكملت الماجستير، ولكن ذلك لم ينفعني، مع النظرة الدونية لنفسي، وسخرية والدي من الماجستير.
الآن أعمل مدرسة، وأعاني من ضعف الشخصية، علما أنني حصلت على العديد من التكريمات، لكني ما زلت أواجه التحقير والسخرية والاستغلال من قبل الطلاب والإدارة، وأيضا من قبل نفسي.
أنا متزوجة، وزوجي حنون جدا، ويساندني في الحياة ويشجعني، وأرغب في طفل، لكني أخاف عليه من شخصية ضعيفة تماثل شخصيتي.
أفيدوني، جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على الكتابة إلينا بهذا السؤال، شارحة ما تعانين منه مما أسميتيه ضعف الشخصية.
أولا: لفت نظري أنك وبالرغم من كل هذه الصعوبات والتحديات ومشاعر الإحباط، حتى من قبل أقرب الناس إليك، ومع ذلك فقد تقدمت وأنهيت المدرسة والجامعة والماجستير، ومن ثم فأنت تعملين في التعليم، ويبدو بنتائج طيبة مع منتجات التعلم -ما شاء الله-.
إننا كثيرا ما نكبر ونحن نسجن أنفسنا في أفكار ومعتقدات عن أنفسنا بأننا مثلا نتحلى بصفات معينة، كأن نكون ضعاف الشخصية، أو ضعاف الثقة في أنفسنا، أو أننا شديدو الحساسية، وتأتي عادة هذه الأفكار من مواقف الناس منا، ومن كلامهم عنا، وخاصة في طفولتنا، وكما حصل معك ربما من افتقاد حنان وتشجيع الوالدين، ومن ثم سوء معاملة بعض المعلمات، أو تأتي هذه الصورة السلبية عن الذات مما قد يقوله الناس عنا، مثلا أن عندنا خجل أو تردد أو حساسية أو ضعف الشخصية، أو الألقاب التي ذكرت بعضها مما كانت تسميك بها المعلمة.
كل ما تعرضت له في طفولتك تعتبر أحداثا صادمة، مما جعلك تشعرين بالحساسية والصورة السلبية عن نفسك بعض الشيء، وأكيد أن فقدان حنان الوالدين وتشجيعمها -كما ذكرت- يقف وراء معظم هذا الشيء الذي وصفتيه بشكل جيد في رسالتك، ولهذا علاقة بما ورد في سؤالك عن أمورك النفسية الأخرى.
والنتيجة الطبيعية لكل هذا أننا نجد أنفسنا نحمل هذه الأفكار والمعتقدات على أنها مسلمات غير قابلة للتغيير أو التعديل، وقد تمر سنوات قبل أن نكتشف بأننا ظلمنا أنفسنا بتقبل وحمل هذه الأفكار السلبية كل هذه السنين، والمؤسف أن الإنسان قد يعيش كل حياته، ولا يحرر نفسه من هذه الصور والأفكار، مع أن مفتاح سجنه هذا بين يديه وليس في يد أحد آخر! الله تعالى يقول "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
لا بد لك -أختي الكريمة-، وقبل أي شيء آخر أن تبدئي بحب هذه النفس التي بين جنبيك، وأن تتقبليها كما هي، فإذا لم تتقبليها أنت فكيف للآخرين أن يتقبلوها؟!
مارسي عملك بهمة ونشاط، وارعي نفسك بكل جوانبها وخاصة نمط الحياة، من التغذية والنوم والأنشطة الرياضية، وغيرها مما له علاقة بالهوايات وأنماط الحياة، وأعطي نفسك بعض الوقت لتبدئي بتقدير نفسك وشخصيتك، وبذلك ستشعرين بأنك أصبحت أكثر إيجابية مع نفسك وشخصيتك وحياتك، والحمد لله أن الله قيض لك زوجا إيجابيا مشجعا لك، فاستفيدي من هذا.
ويقول لنا الله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"، فنحن مكرمون عند الله، وقد قال الله تعالى لنا هذا ليشعرنا بقيمتنا الذاتية، والتي هي رأس مال أي إنسان للتعامل الإيجابي مع هذه الحياة بكل ما فيها من تحديات ومواقف، وكما يقال "فاقد الشيء لا يعطيه"، فكيف أعطي الآخرين ضرورة احترام نفسي وتقديرها إذا كنت أنا لا أقدرها حق قدرها، فأرجو أن تشعري بأنك عزيزة مكرمة، ليس فقط عند الناس، وإنما أيضا عند رب الناس.
أقبلي على الدنيا بحماس ومحبة، ونفس الشيء من نفسك، فارعيها وأكرميها، وتذكري قول الحبيب المصطفى: "إن لنفسك عليك حقا".
وفقك الله، ويسر لك الخير، ونفع بك الطالبات وغيرهن.