السؤال
الدكتور الفاضل محمد عبد العليم!
أعاني ـ حفظكم الله ورعاكم ـ من وساوس نغصت علي حياتي! منذ طفولتي وأنا من وسواس إلى آخر، أشك في كل شيء، أشك في الأمراض، وأشك هذه الأيام أنني ربما أكون في حلم، أو أنني مجنون وأنا لا أدري!
وتنتابني أحيانا حالة وهي أني إذا تعرضت للضوء الشديد أحس وكأني في حلم، ولا أرتاح إلا في الظلام! كما تنتابني وساوس في الطهارة! وأخاف إذا رأيت سكينا خوفا أن أقتل نفسي أو أحدا! حتى أثناء كتابتي لهذه الرسالة أشك أني في حلم أو أني لم أكتب شيئا!
وعند قراءتي لموضوع عن الوسواس القهري وجدت أن أغلب الوساوس موجودة لدي، ولكن زاد قلقي عندما قرأت أن المريض يكون مقتنعا بسخافة هذه الأفكار، وأنا لا أقتنع أن هذه الأفكار سخيفة؛ وهذا مما سبب لي قلقا بأن الوسواس الذي لدي قد يكون وسواسا صعبا، وليس مثل باقي الناس الذين لديهم وسواس!
والجدير بالذكر أنه عند الوسوسة أحاول مدافعتها بقدر الإمكان؛ مما يسبب لي قلقا شديدا، وخوفا! فبماذا تنصحونني، جزاكم الله خيرا؟
مع العلم أني متخوف من تناول الأدوية؛ خوفا من الأعراض التي تظهر، خاصة وأن والدي مصاب بمرض نفسي، وألاحظ عليه أعراض الخمول، وفتورا بالأعصاب، وأنا طالب في الجامعة، وأخاف أن تظهر هذه الأعراض علي. أيضا خاف من أسعار هذه العلاجات الباهظة نظرا لظروفي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رضوان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
جزاك الله خيرا يا أخي.
الوساوس القهرية متعددة الصفات والأشكال، فهي قد تكون فعلا أو فكرة، أو اندفاعا، أو مخاوف، أو شكوكا، أو نوعا من الخيالات، أو بطئا في أداء الأشياء وفي التفكير أيضا.
هنالك جانب نفسي في الوساوس، بمعنى أنها مكتسبة، ولكن الجانب الآخر وهو الجانب البايلوجي أصبح الآن أكثر قبولا في تفسير هذه الوساوس، ومن هنا لابد أن يتناول الإنسان الأدوية المضادة للوساوس القهرية.
الشيء المتعارف هو أن يشعر الإنسان بأنه يمتلك الفكرة الوسواسية، وأنها سخيفة، وأنها مسلطة عليه، وأنها لا تتأتي من مصدر خارجي، وهذا هو الفرق بينها وبين المعتقدات الاضطهادية التي نجدها في بعض أنواع الأمراض العقلية، ولكن يعرف أيضا أن مقاومة الإنسان لهذه الوساوس ربما تضعف بمرور الوقت، ومن هنا يقل اقتناعه بسخافتها، وهذا ربما يكون الشيء الذي حدث لك.
في مثل هذه الحالات، والتي يفقد الإنسان فيها القدرة على المقاومة، والإيمان بسخافة الفكرة، لا يكون العلاج السلوكي بالفعالية المطلوبة، ومن هنا نركز كثيرا على العلاج الدوائي، والذي سوف يحسن حالة الإنسان، ويهيئه بإذن الله لتلقي العلاج السلوكي النفسي، والذي يقوم أصلا على مقاومة الفكرة، وتحقيرها، واستبدالها بفكرة أو فعل مضاد لها.
نعرف تماما أن الوساوس كثيرا ما تكون ممتزجة أو ممزوجة بشيء من القلق والتوتر وربما الاكتئاب، ومن فضل الله تعالى أن الأدوية التي تعالج الوساوس القهرية في معظمها هي نفسها التي تعالج الاكتئاب النفسي والقلقي والمخاوف .
يوجد دواء باسم أنفرانيل وهو من الأدوية القديمة، وغير باهظة التكلفة، وفعال، فقط ربما يسبب بعض الآثار الجانبية السلبية البسيطة، مثل الشعور بالاسترخاء، والكسل، والجفاف بالفم، وثقل في العيون، وربما إمساك، ويعرف أن هذه الآثار الجانبية تختفي مع استمرار الإنسان في تناول العلاج .
وعليه أرجو يا أخي أن تبدأ في تناول الأنفرانيل، وبدون أي تردد، ومن أجل أن نقلل الآثار الجانبية، فيمكن أن نبدأ بجرعة صغيرة، ثم نزيدها بالتدرج، كأن تبدأ بخمسة وعشرين مليجراما ليلا لمدة أسبوعين، ثم ترفعها بواقع 25 مليجراما أيضا كل أسبوعين، حتى تصل إلى 100 أو 150 مليجراما في اليوم، (حسب درجة تحملك) وتستمر على هذه الجرعة كما هي لمدة تسعة أشهر، ثم تسحب 25 مليجراما حتى تصل إلى 50 مليجراما، وتظل عليها لمدة قد تتجاوز سنة كاملة، وحين تحس أن أحوالك قد بدأت في التحسن فأرجو أن تركز على العلاج السلوكي، والذي كما ذكرنا يتمثل في القيام بفعل مضاد للوسواس.
أؤكد لك يا أخي أن الوساوس القهرية يمكن علاجها الآن تماما، وأسأل الله أن يكتب لك الشفاء .
وبالله التوفيق.