السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتقدم لكم بالتقدير والشكر الجزيل على ما تقدمونه للناس من مساعدة، وأسأل الله أن يسدد خطاكم، ويجعله في ميزان حسناتكم.
منذ فترة عرفت هذا الموقع الأكثر من رائع من خلال بحثي في قوقل عن بعض المواضيع التي تشغلني، فكنت كلما بحثت وجدت إجابات مقنعة ورائعة جدا في هذا الموقع، فأصبحت أرتاده بين الحين والآخر لمطالعة بعض المواضيع، وقراءة بعض الاستشارات التي تجيبون عليها.
سؤالي: ما الفرق بين الرهاب الاجتماعي وعدم الثقة بالنفس؟ وكيف أعرف ما أعاني منه؟ فمن خلال ما قرأته في المواقع أصبحت أعرف الرهاب الاجتماعي وأعراضه، وأريد معرفة أسبابه، فهل ترجع للطريقة التي يتربى عليها الشخص في طفولته، أم تتعلق بنظرة الشخص لنفسه؟ وهل له مراحل وأطوار، وتتفاوت من شخص لآخر؟ وهل يؤدي الرهاب إلى فقدان الثقة أم العكس؟
قرأت عن طرق علاج الرهاب ما يسمى بالعلاج السلوكي، فما هي آليته؟ وهل يمكن تطبيقه في البيت دون الحاجة لمختص؟ وما مدى تأثيره؟ وهل يكون له مضاعفات إذا طبق بطريقة غير صحيحة؟
أرجو من حضرتكم أن تجيبوني، علما أنها استشارتي الأولى، وسوف أرسل بقية استشاراتي قريبا استشيركم في أمور أخرى تتعلق بحياتي.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونشكرك على كلمات التقريظ والإشادة، ونسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعا.
أطروحتك أطروحة جيدة، وقطعا يمكن قراءة الكثير والكثير جدا عن الرهاب الاجتماعي وعدم الثقة بالنفس، فمصادر المعلومات أصبحت سهلة ومتاحة، لكن ربما يكون السؤال المباشر للمختص أكثر فائدة.
والرهاب أو الخوف الاجتماعي هو مصطلح متداول، وله معايير تشخيصية معينة.
أما عدم الثقة بالنفس فلا توجد له معايير تشخيصية حقيقية، إنما هو أمر متعارف عليه ما بين المختصين وغير المختصين، ويمكن تعريف عدم الثقة بالنفس أن الإنسان ليست له قناعة تامة بمقدراته، أو أنه قد عطل مقدراته بعدم الاستفادة منها بالرغم من وجودها، وعدم الثقة بالنفس يشمل دائما التثبيط التلقائي الذي ينشأ من النفس ذاتها، وسوء تقدير الذات وعدم إنصافها، هذا كله يأتي تحت تعريف عدم الثقة بالنفس.
وتلعب شخصية الإنسان فيه دورا كبيرا، كما أن مفاهيم الإنسان الخاطئة حول ذاته هي المحرك والباعث الرئيسي لعدم الثقة بالنفس، والإنسان أيضا قد تصله إشارات سلبية من محيطه، محيطه الأسري أو الاجتماعي، وهذه قد تكون مثبطة له وتجعله لا يثق في مقدراته.
أما بالنسبة للرهاب الاجتماعي فالرهاب نوع من الخوف، والمخاوف النفسية كثيرة جدا، منها المخاوف البسيطة، والمخاوف العامة، والمخاوف الخاصة:
-المخاوف البسيطة: أن يخاف الإنسان من شيء معين كالخوف من الظلام، أو الخوف من المرتفعات، أو الخوف من ركوب الطائرة، هذا نسميه بالمخاوف البسيطة.
- الخوف قد يكون سمة عامة تلازم الإنسان في كل شيء، لا يحس بالطمأنينة، يبالغ في تفاعله مع الظرف الذي يعيش فيه من حيث أنه لا يستطيع أن يتواكب أو يتوائم، وتجده دائما تحت القلق التوقعي والخوف التوقعي، هذا الخوف الافتراضي مشكلة كبيرة جدا يواجهه الكثير من الناس.
- أما المخاوف الخاصة فهو متعلم ومكتسب، وفي معظم الأحيان أسبابه تكون واضحة، لكن في أحيان كثيرة تكون الأسباب غير واضحة، وأهم سبب هو البناء النفسي للشخصية، فهنالك شخصيات قلقة طبعها وتميل إلى الخوف، وهؤلاء أكثر عرضة للرهاب الاجتماعي، ومن الأسباب الأخرى: العوامل الوراثية، لا أقول أن المرض نفسه أو الحالة تورث، لكن هنالك نوع من الميول الأسري، وهنا قد يكون التعلم أيضا قد لعب دورا؛ لأن الإنسان يعيش في محيطه وفي أسرته، فإذا كان هناك فرد من أفراد الأسرة – أو أكثر – لديهم مخاوف، في هذه الحالة قد يكون الإنسان اكتسب هذا الخوف من محيطه، لكن أيضا الجوانب الوراثية أيضا لا يمكن تجاهلها.
كذلك أكبر سبب للخوف الاجتماعي هو أن الإنسان قد يكون تعرض لنوع من الخوف في ظرف اجتماعي -غالبا- في مرحلة الطفولة، ولا يدركه في ذات الوقت، ولا يعطيه اهتماما، والخوف أو الرهاب من الذهاب إلى المدرسة دائما مرتبطا بالرهاب الاجتماعي في مستقبل الأيام.
العلاج السلوكي علاج قوي وفاعل، وحين يستصحبه الإنسان بالعلاج الدوائي تكتمل الدورة العلاجية بصفة كاملة مما ينتج عن ذلك نتائج رائعة وشفاء -بإذن الله تعالى-.
العلاج السلوكي يمكن للإنسان أن يطبق منه بعض جزئياته في المنزل، لكن الاسترشاد بمعالج نفسي دائما أفضل، والمعالج يكون قدوة ونموذجا يحتذى، إذا على الأقل الجلسات الأولى يجب أن تكون تحت إشراف المعالج.
وبصفة عامة يبدأ العلاج السلوكي بما يسمى التحليل السلوكي، أي أن يتحلل السلوك، ما هي نوعية المخاوف؟ ما هي نوعية الوساوس؟ الظروف التي تؤدي إليها؟ كيف يستطيع الإنسان أن يتخلص منها؟ ما هو الذي يزيدها؟ ما هو الذي نقصها؟ شخصية الإنسان، ظروفه الاجتماعية والبيئية؟
إذا يتم تحليل كامل للسلوك ونوعه وكذلك الشخصية، بعد ذلك تبدأ المراحل العلاجية، وهي: أن يتخير المعالج باتفاقه مع المريض أن يكون هنالك حسم والتزام في التطبيق، لأن هنالك تمارين منزلية تعطى للشخص الذي يتعالج، لا بد أن يطبقها، وسوف يراجعها معه المعالج في الجلسة التي تلي.
المبادئ العلاجية تقوم على مبدأ: تجاهل الخوف، تحقيره، عدم مناقشته، واستبداله بفكر مخالف، وبعد ذلك يبدأ الإنسان في التطبيق، أن يذهب إلى المكان الذي يخاف منه، ويمكن أن يبدأ بما هو أقل، أي الأماكن الأقل رهبة، وتطوير المهارات الاجتماعية مثل اللغة الجسدية، اللغة التخاطبية، هذا كله علاج سلوكي، والمبدأ العام هو: أن يفك الإنسان ما يسمى بالارتباط الشرطي، كل ما يربطه بالخوف يحاوف أن يفتته، ولا بد أن يكون هنالك تغيير عام في حياة الإنسان، تنظيم الوقت علاج سلوكي، الرياضة علاج سلوكي، بالنسبة للرجال مثلا الصلاة مع الجماعة تعتبر علاجا سلوكيا، تطوير مهارات العمل علاج سلوكي، وهكذا.
هذا هو الذي أود أن أذكره لك باختصار، وأسأل الله أن ينفعك به، وأشكرك كثيرا على الثقة في إسلام ويب.