السؤال
السلام عليكم.
الشكر واجب لكل مؤسسي هذا الموقع الرائع، أرجو من الله أن ينفع به المسلمين.
فضلا وليس أمرا أريد أن يرسل سؤالي إلى شيخ وعالم جليل، ومفكر وذكي، وحسن الخلق، ومتواضع وواقعي، وفاهم للقرآن أولا، وحافظ لجزء منه، مع تقدير وإعزازي لكل مفكري الموقع والعاملين فيه.
يظن الناس أني حسن الخلق، ومتدين، لكني منافق والله أعلم؛ لأني أتكاسل أحيانا عن الصلاة في الجماعة، بل ويهمني جدا قول الناس في ونظرتهم إلي، وهذا ما يدور في نفسي، لكن عندما أخاطب الله وأدعوه يكون كلامي معه معسولا جدا، حتى أني أخشى أن يكون هذا من وحي عقلي (تمثيل) وليس من قلبي.
كما أنه بسبب مخالطتي للملحدين والمتدينين والكافرين، وفئة تؤمن بالقرآن فقط ولا تؤمن بالسنة، ولا تستمع لوعظ المشايخ، كل هذا يحدث أحيانا صراعا في عقلي بين أفكار مخيفة وكفرية، لكنه -والحمد لله-ينتهي بحبي لله وتعظيمي له، فهل أحاسب على هذا؟
الخلاصة: أني أريد الدنيا والآخرة.
أسرتي -والحمد لله- كانت فقيرة لكن أصبحت متوسطة.
- أنا أكره الخير لأي أحد إن كان ذلك سيضرني، أو أن ينتصر علي أحد ينافسني، حتى وإن كان مسلما.
- أكره الفقر وأريد الغنى والعظمة والشهرة والمكانة المرموقة، فهل هذا حرام؟ وإن كان حلالا فكيف أحققه؟
- عندي أفكار ومشاريع عظيمة وجديدة، لكنها تحتاج لرأس مال فكيف أجلبه؟
- وأريد أن أغير حال المسلمين، لأني أشعر بالاختناق من هوانهم على الأمم وضعفهم، ولكن أنا أصلا عاجز عن تغيير نفسي وترك المعاصي، فكيف أغير نفسي تغييرا جذريا وأسير على نظام، وأفعل ما أقوله؟
- أريد قيادة المسلمين للأفضل، أريد أن أكون أحب عباد الله إلى الله، لكن كيف؟
- أريد المذاكرة بجد، لكني أعاني من أحلام اليقظة والسرحان والكسل؟
- أشعر بالفشل وعدم الإنجاز وانعدام الثقة، فكيف أغير هذا؟
- أريد الخشوع في الصلاة، وإرضاء الله، وكسب حبه.
والمشكلة أيضا أني أشعر بأني أريد هذا كله من أجل الناس ونظرتهم إلي، حتى وأنا أكتب الآن أنمق كلماتي من أجل أن تعجب عين القارئ، فما الحل؟
أرجو إجابات واقعية وإسلامية بخطوات موثقة وبأساليب مؤثرة ونافعة من الكتاب أو السنة أو إلهام الله لكم لأسير عليها، وكيف سألتزم بها؟ لأني من النوع الذي يقول ما لا يفعل.
ولماذا عندما يبحث الإنسان عن شيء لا يجده، وعندما يبحث عن شيء آخر يجد الأول، شيئا غريبا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أيها الأخ الكريم- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
من المعلوم أن الإنسان لا يستقر على حال، بل حاله دائر بين النشاط والفتور؛ ولذلك يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لكل عمل شرة (نشاطا)، ولكل شرة فترة (فتور)، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك)، فالفتور الذي يقع على الإنسان يقع على كل أحد، وليس بالضرورة أن يكون ذلك نفاقا.
صحيح أن الأفضل في الصلاة أن تؤدى في جماعة، لكن أداؤها في غير جماعة لا يعني بطلانها، ولا يعني أن ذلك نفاقا، فالنفاق عمل قلبي لا يطلع عليه أحد إلا الله، والنفاق نوعان:
الأول الاعتقادي: وهو أن يظهر الإنسان حب الإسلام ويبطن كرهه والكيد له.
والثاني: النفاق العملي: وهو المذكور بقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا اؤتمن خان)، وأما أن يعمل الإنسان العمل من أجل الناس يطلب فيه مدحهم وثناءهم فهذا هو الرياء، وهو أمر في غاية الخطورة؛ لأنه يؤدي إلى بطلان العمل كما جاء في الحديث القدسي: (من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه).
اجتهد في زجر نفسك وإبعادها عن النظر في أقوال الناس أو السعي لمدحهم، وهذا أمر ممكن بالممارسة، وأن تجعل همك العمل لله تعالى، وأن تتذكر دوما أن العمل الذي تطلب فيه مدح الناس أنه باطل، ولا بد من التفريق بين أن يكون حبك لمدح الناس مجرد هاجس نفسي أو عزم حقيقي، فالرياء هو الثاني، وأما حديث النفس فلا يحاسب عليه الإنسان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تكلم).
ما تسميه بالكلام المعسول مع الله والتمدح له والتذلل بين يديه أمر مطلوب ومحمود، فلا تلتفت لوساوس الشيطان الرجيم أن ذلك تمثيل، فهو يريد منك أن تترك ذلك، فاستعذ بالله كلما جاءك بمثل هذا الهاجس ينخنس عنك بإذن الله تعالى.
واجتهد في الإخلاص لله في دعائك فهو عبادة من العبادات، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة)، وكن على يقين أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه وصوابا على سنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
ابتعد عن مخالطة الملاحدة والمبتدعة الضلال، وفر منهم فرارك من المجذوم، فإنهم سم زعاف يلقون عليك الشبه، ولربما التصقت شبههم في قلبك، وغير رفقتك، فالصاحب يؤثر سلبا وإيجابا كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ويقال في المثل: الصاحب ساحب، فاجتهد ألا تصاحب إلا الصالحين.
ما تجد من الصراع في داخل عقلك نتيجة مخالطة الملاحدة أمر طبيعي، خصوصا إن كنت لا تجد الردود الشافية على شبههم، فابتعد تسلم، والحمد لله أن نتيجة ذلك الصراع هو حبك لله تعالى، وكما سبق أن كل ما يدور في النفس أو العقل لا يحاسب عليه الإنسان ما لم يعمل أو يتكلم، والسلامة لا يعدلها شيء.
إرادة الدنيا والآخرة ليس فيه حرج، فمن هذا الذي يستغني عن الدنيا، فقد كان الأنبياء عليهم السلام يمشون في الأسواق ويطلبون الرزق، وصدق الله إذ يقول: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ۖ ولا تنس نصيبك من الدنيا ۖ)، والمذموم أن يجعل الإنسان الدنيا غايته وأكبر همه، ففي الحديث الصحيح :( من كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولن يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له).
قولك: (إنك تكره الخير للناس إن كانوا ينافسونك فيما عندك .. إلخ): هذا من الحسد المذموم، والذي لا ينبغي لك أن تتصف به، بل أحبب للناس الخير كما تحبه لنفسك، ففي الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه من الخير).
كره الفقر مشروع، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ..)، ولا يستعاذ بالله إلا من أمر مكروه، وإرادة الغنى والسعي لأن يكون الإنسان عظيما ومشهورا بالطرق المشروعة مع الإخلاص لله تعالى جائز، وتحقيق ذلك باتباع الطرق والسبل المشروعة الموصلة إلى ذلك.
جلب المال يكون بعمل الأسباب المشروعة الموصلة لذلك، ومنها الكد والعمل في المجالات التي تدر عليك المال، وراجع ما كتب حول الأسباب الجالبة للرزق على شبكة الإنترنت وخاصة موقع الشبكة الإسلامية.
شكر الله لك غيرتك على أمتك وتأثرك من حالها وهوانها على الأمم، وهذا الاهتمام منك بأمر أمتك شيء عظيم كما قيل: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، وحال الأمة يحتاج إلى تظافر الجهود والعمل من أجل النهوض بهذه الأمة من خلال إيجاد عوامل النهضة المتكاملة، فخروج الأمة من الذلة والمهانة لن يكون إلا بذلك، وأهم تلك العوامل العودة إلى الدين، وترك مخالفة الشرع، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)، وفي رواية (حتى ترجعوا إلى دينكم)، وقال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت)، ثم الأخذ بزمام العلم والتقدم التكنلوجي والاقتصادي وغير ذلك.
لتكون أحب عباد الله إلى الله: عليك بالامتثال لدينه، واجتناب نواهيه، وأكثر من التقرب إلى الله بالنوافل بعد المحافظة على الفرائض، ففي الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبصر بها ويده التي يبطش بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).
قيادة المسلمين للأفضل تريد منك النبوغ في العلم، ونيل الشهادة المرموقة في التخصص النافع، ومن ثم خدمة الأمة والاهتمام بشئونها، وذلك يأتي بالتدرج، ومن خلال المواقف المشرفة.
كونك تعاني من أحلام اليقظة والسرحان والكسل أثناء المذاكرة: يعني أنك بحاجة إلى زميل أو زملاء جادين في التحصيل العلمي لكي تتناشطوا في المذاكرة، وبهذا سيذهب عنك ما تجد بإذن الله.
شعورك بالفشل وعدم الإنجاز، وعدم ثقتك بنفسك رسائل سلبية توحي بها إلى عقلك الباطن، فهو يتبرمج على تلك الرسائل، فعليك أن تغير ذلك برسائل إيجابية، وتنظر إلى الحياة بطريقة إيجابية، وتقيم أداءك ما بين الحين والآخر، فتنمي الإيجابيات، وتتلافى السلبيات، ولا بد أن ترسم لنفسك أهدافا مزمنة قابلة للتطبيق لتحققها في الوقت المرسوم لها.
إن أردت الخشوع في الصلاة فصل كما صلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وتدبر ما تقرأه في الصلاة من القرآن، واترك الأشغال التي تشوش عليك صلاتك، ولا تسترسل مع وساوس الشيطان داخل الصلاة، بل اقطع ذلك بتدبر القرآن.
أخلص في كل أعمالك لله تعالى، ولا تهتم بمدح الناس وقدحهم، وجاهد نفسك في هذا الباب، وكن ممن يطابق قوله فعله، وفعله قوله، مع موافقة الشرع.
أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يعطيك من الخير ما تتمنى، ويصرف عنك كل سوء ومكروه.