السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 28 عاما، غير متزوجة، ومتعلمة وناجحة، زوجات إخواني يكرهنني ويعملن لي السوء، ولا أعرف أن أعيش في البيت، وأكره البيت وأكره حياتي، لست موفقة بشيء، مع العلم أن دراستي كانت في الخارج وكنت مرتاحة وهادئة البال، منذ أن رجعت للبيت لم تبق مصيبة إلا وجاءت، مرضت ومرض الوالد، عملي تعسر، نفسيتي متدهورة.
أنا أصلي الحمد لله كل فروضي، لكن حياتي مقلوبة، كل شيء مسدود بطريقي، حتى الزواج، والعمل وكل شيء.
أعصابي تعبت وأريد أن أهرب من البيت، أهرب منهم وهم لا يتركوني بحالي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rim حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أختنا الكريمة في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
لم تخبرينا أيتها الأخت الكريمة عن أنشطتك في البيت، هل تقومين بمساعدة زوجات إخوانك أم لا؟ لأنهن في نظري لا يمكن أن يتفقن على أذيتك بدون أي مبرر، فكأنهن يرين أنك لا تساعدينهن في أعباء البيت، أو أن دورك ضعيف، فيشعرن بأنهن خدامات وأنت أميرة، وهذا ينعكس عليك سلبا بطرق مختلفة.
قد يشعرن بأنك مترفعة عليهن من خلال بعض التصرفات، ولذلك يعبرن عن امتعاضهن بالمعاملة السيئة. الإنسان بأخلاقه وتواضعه يأسر الجميع ويضطرهم لاحترامه، وإن كان سيبقى له من يكيد له أو يعاديه فهذا أمر طبيعي.
المدارة لأصحاب السلوكيات العدوانية خلق كريم كي يتقي الإنسان بها شرورهم، والمقصود بالمدارة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، فعليك أن تهدي لهن بعض الهدايا ولو كانت رمزية، فالهدية تسل سخائم القلوب وتكسب محبتها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تهادوا تحابوا)، وامدحيهن بما فيهن من الصفات الحسنة، فإن من الناس من يصلح حاله بالمدح والثناء.
لن تكون زوجات إخوانك كلهن بمرتبة واحدة في التعامل معك، فاقتربي من أقربهن إليك وابتدئي بها فإن كسبتها فسيكون لها دور في تقريب الأخريات بإذن الله.
كثيرا ما نلقي باللوم على الآخرين ونبرئ أنفسنا، فلو أنك جلست مع نفسك جلسة مصارحة ومكاشفة وتعرفت على الأخطاء التي ترتكبينها في التعامل معهن واجتهدت في إصلاح نفسك لصلح الحال بعون الله.
لا تنأي بنفسك عن التعايش مع زوجات إخوانك، فأنت مضطرة للعيش معهن، فلا بديل لديك، فاقتربي منهن أكثر وعليك بالتواضع؛ فما تواضع أحد لله إلا رفعه.
اقتربي من إخوانك ليساعدوك في حل بعض الإشكالات التي تعانين منها في البيت ولا تكتمي ذلك عنهم، فلعل الله يجعل مفاتيح الحل بأيديهم.
ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة فحاسبي نفسك، فلعلك ارتكبت ذنبا وتغافلت عن التوبة منه، وأنا هنا لا أتهمك، ولكن من باب التذكير وكلنا أصحاب ذنوب وما أكثر ما نقع فيها كالغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وظلم الناس وغير ذلك، فإن وجدت شيئا فتوبي إلى الله تعالى ليرفع عنك البلاء.
اجتهدي في تقوية إيمانك بالله تعالى وذلك بأن تكثري من نوافل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن، فذلك سيجلب لك الحياة الطيبة كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
الزواج رزق من الله يسير وفق قضاء الله وقدره، وسيأتيك رزقك في الوقت الذي قدره الله، فلا يضيق صدرك ولا تستعجلي، ولعل في كل تأخير خير.
لا تهولي الأمور وتعطي القضية أكبر من حجمها فقولك: (لم تبق مصيبة إلا وجاءت) تهويل شديد، فاحمدي الله فأنت في ستر وترفلين في نعم الله الكثيرة، ولا تقصري نظرك على نفسك، ولكن انظري إلى من حولك، فهنالك من يعاني أكثر من معاناتك، فإن رأيت من حولك هانت عليك مصيبتك، وعرفت أنك في نعمة عظيمة، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (انظروا إلى من هو أدون منكم فذلك جدير ألا تزدروا نعمة الله عليكم).
ما أنت فيه مقدر عليك من قبل أن يخلقك الله (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولذلك ينبغي عليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، وكوني على يقين أنه إن عظم البلاء عظم الجزاء، وأن الابتلاء عنوان محبة الله للعبد، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، وحذار أن تتسخطي وإلا فالجزاء من جنس العمل.
قد يكون وراء هذه المحنة منحة عظيمة، فهذه الحياة كلها ابتلاء كما قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة ۖ وإلينا ترجعون).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، واستغلي أوقات الإجابة وسلي الله تعالى أن يفرج همك ويبعد عنك ما تكرهين، وأكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وكشف الكروب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
الاستغفار يجلب الرزق والقوة الحسية والمعنوية للأبدان، قال الله تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلىٰ قوتكم)، وقال: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).
اعملي بالأسباب التي تجلب لك الرزق، ويمكنك التعرف عليها من خلال البحث في الشبكة الإسلامية.
إياك أن تفكري في الهرب من البيت، فذلك ليس بحل بل ستجلبين على نفسك وأسرتك العار، والحل هو أن تهربي وتلجئي إلى الله الذي بيده قلوب العباد ومقاليد الأمور وهو أمان الخائفين، فمن وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد.
أسأل الله لك أن يفرج همك، ويكشف كربك، ويجعل حياتك سعيدة، ويرزقك من حيث لا تحتسبين، والله الموفق.