السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 28 سنة، حققت النجاح العلمي والدراسي والاجتماعي، لكنني أعاني من مشاكل نفسية كثيرة، مثل: سرعة احمرار الوجه والأذنين، وذلك في بعض المواقف التي أشعر فيها باختراق ذاتي وحدودي، كما أعاني من مرض إرضاء الآخرين، والنزعة الكمالية والمثالية، واللطف الزائد، وكبت المشاعر، وعدم احترام ذاتي، وتدني تقديري لها في بعض المواقف، وانعدام الثقة أيضا.
اكتشفت كل هذه الأعراض عند القراءة، والترقب، ورصد ردود أفعالي ومشاعري، وكثرة القراءه في كتاب ذاتي، والبحث عن جروحي، ولكن الجرح الأكبر هو أنني أرفض ذاتي عندما كنت طفلا، فقد تعرضت لموقف رفض ونبذ وتهميش، واعتقدت أن السبب هو كينونتي فرفضتها بشدة، وأصبحت أقارن نفسي بالآخرين، حتى أصبحت وحيدا، منعزلا، وانهزاميا، ذا شخصية مضطربة، قلقة، وأصبح عندي اضطراب القلق الاجتماعي، والرهاب الاجتماعي، إلى أن ذهبت إلى الجامعة، وأصبحت أتقرب من اللناس, وبحكم أنني أرفض ذاتي، اعتقدت بأن الآخرين يرفضونني, فنشأ عندي مرض إرضاء الآخرين، واللطف الزائد، والنزعة الكمالية والمثالية لكي يقبلوني كفرد بينهم.
هذه الأمور تسببت لي في اكتئاب وإحباط، ولم أكن أفهم ذلك، حتى تعرضت لموقف التحدث أمام الطلاب، فأصابني تعرق، واحمر وجهي، وأصابني تعب وألم شديد في صدري!
أحتاج علاجا لرفضي لذاتي، وأريد أن أتقبل نفسي، وأعالج جروحي الداخلية، وأبني حدودي, وأريد دواء مناسبا لإيقاف احمرار وجهي وأذني، فقبل سنتين استخدمت الزيروكسات لمدة أسبوع فقط، وذلك لإيماني بأن العلاج المعرفي السلوكي أفضل من الدواء، ولكنني لا أتحمل احمرار وجهي، لأن ذلك يقلل من تقديري لذاتي، وثققتي بنفسي، أفيدوني بنصحكم وتوجيهكم.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
العلاجات كلها مكملة لبعضها البعض: العلاج السلوكي المعرفي، العلاج الاجتماعي، والعلاج الإسلامي، والعلاج الدوائي، هذه الأربعة حين تتكامل مع بعضها البعض تؤدي إلى نتائج علاجية ممتازة، وبعد تدارسي لحالتك أتفق معك أن القلق مهيمن عليك جدا، وسوء تقدير الذات لديك واضح جدا، وهذا حقيقة يتطلب أن تتواصل مع أخصائي نفسي، له خبرة في العلاج السلوكي المعرفي، والمملكة بها الكثير من المختصين -والحمد لله-، لأن الجلسات المتوالية والمتتالية ستكون أفضل في حالتك.
ومن جانبي أقول لك: أن تقدير الذات حين يكون مبنيا فقط على الماضي، أمر خاطىء، وخطأ كبير جدا، فجراحات الماضي لها تأثير سلبي على الإنسان، التربية، التنشئة، نعم هذا كله يلعب دورا في حياتنا، لكن علماء السلوك الآن يركزون على الحاضر والمستقبل، لأن الحاضر هو الذي بين أيدينا، والمستقبل آت والماضي قد ذهب، بهذه الكيفية أعتقد أن الإنسان يستطيع أن يتدارك نفسه، وأعتقد أكثر ما يمكنني أن أنصحك به هو أن تعيد تقدير ذاتك، واكتب في ورقة ما لها وما عليها، ما هي السمات السلبية، وما هي السمات الإيجابية التي تحملها شخصيتك؟ ويجب أن تكون منصفا لنفسك، تتعامل مع الموضوع بشيء من الشفافية والمصداقية، فالإنسان حين يكون قلقا، أو لديه توجهات اكتئابية سلبية حول ذاته ربما ينقصها حقها، لا أريدك أن تكون من هؤلاء.
إذا تحليل الذات، معرفة الذات، ثم يأتي بعد ذلك تفهم الذات، ثم قبول الذات، ثم العمل على تطوير الذات، هذه المراحل لا يمكننا أن نتجاوز أحدها لنقفز ونصل إلى مبتغانا، يعني: ليس أمرا ممكنا أن يقفز الإنسان من تحليل الذات إلى تطويرها، لا، فلا بد أن يكون هنالك فهما للذات، إنصافا للذات، وقبولا للذات.
فأرجو أن تقدر هذه المراحل، وتبذل أقصى جهدك لتوفيها حقها، -وكما ذكرت لك- مواصلة الجلسات مع أخصائي نفسي قطعا سوف تكون مفيدة جدا لك، ووضع برامج واضحة لإدارة المستقبل أراها مهمة في حالتك، ولا بد أن تكون هنالك أهداف آنية، وأهداف متوسطة المدى، وأهداف بعيدة المدى.
1- الهدف الآني: هو الهدف الذي يجب أن نحققه خلال أربع وعشرين ساعة، مثلا إذا قررت أنت، أو أنا أن يذهب واحد منا لزيارة مريض بالمستشفى خلال الأربع وعشرين ساعة القادمة، هذا هدف عظيم، وحين يحققه الواحد منا سوف يحس بالمردود الإيجابي النفسي داخلي.
2- هدف متوسط المدى يتم في ستة أشهر، مثلا: أن تعمل كورس معين، مثلا أن تحفظ جزئين من القرآن الكريم، وهكذا، فعمل الأهداف يساعدك أن تعيد الثقة بنفسك.
الأدوية كلها متشابهة، وأنا أرى أن عقار (سيرترالين)، والذي يعرف تجاريا باسم (زولفت)، عقار جيد بالنسبة لك، تناوله بجرعة نصف حبة يوميا ليلا لمدة أسبوعين، ثم اجعلها حبة واحدة ليلا لمدة شهر، ثم حبتين ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة واحدة ليلا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم نصف حبة ليلا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.
نسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.