السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أبلغ من العمر 27 سنة، حاصل على الإجازة في قواعد البيانات، حوالي أربع سنوات وأنا أبحث عن عمل لكن بدون جدوى، فعلت كل ما بوسعي لإيجاد عمل يمكنني من مساعدة أمي وأخي الصغير الذي يعاني من مرض في عينيه (زرق العينين) ولا يقدر على العمل.
الآن أحس باكتئاب شديد واسودت الدنيا في وجهي، حيث أني أشعر بأني أحمل عبئا ثقيلا على عاتقي، ازداد أكثر حين توفي والدي منذ عشر سنوات، الذي كان مريضا مرضا مزمنا، حيث إنه كان لا يقدر على المشي، وكان لديه خلل عقلي حصل له بعد أزمة نفسية حادة، تخيلوا أني عشت معه سبعة عشر سنة وهو على هذه الحال!
كان دائما يصرخ بأعلى صوته في البيت، لم يكن بيننا وبينه تواصل سليم؛ لأنه لم يكن يعي ما يقول. كانت لدي رغبة كبيرة في الدراسة، لكن والدي كان دائما يحطمني، حتى أصدقائي كانوا ينعتونني بابن المجنون! وأنا لم أكن أطيق ذلك في طفولتي، وبعض الجيران كانوا يشفقون لحالنا.
كانت أمي هي التي تعمل داخل البيت وخارجه (كعاملة منازل) لكي تسد حاجيات المنزل من مصاريف الأكل والشراب والدواء إلى غير ذلك، كل هذه الظروف الصعبة جعلتني أكره نفسي وأتمنى الموت في أقرب وقت!
أحس أني وحيد في هذه الدنيا، حتى عائلتي تخلت عني وأرادوا أن يخرجونا من منزل جدي الذي توفي منذ وقت طويل لنصبح عرضة للتشرد، أصبحت أفكر في الهروب والسماح من أخي وأمي؛ لأني لم أقدرعلى تحمل هذه المشاكل التي هي أكبر من طاقتي، لقد انقضت حيلتي، وأتمنى من الله أن يجعل لي مخرجا قبل فوات الأوان!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أخي الكريم في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول: ما هنالك أحد في هذه الحياة ليس لديه مشاكل وأنكاد ومنغصات، فالدنيا دار ابتلاء وأكدار، والإنسان خلق في كبد ليكابد هذه الدنيا، والمؤمن ينظر إلى من هو أدون منه فيرى من هو أشد بلاء منه فيحمد الله ويعلم أنه لا يزال بخير وعافية.
ما يحصل في هذه الدنيا يسير وفق قضاء الله وقدره، فأنت مقدر عليك أن تمر بهذا الطور من قبل أن يخلقك الله، قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، والجزاء على قدر البلاء، والابتلاء عنوان محبة الله للعبد، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فعليك أن ترضى بقضاء الله وقدره، وحذار أن تتسخط وإلا فالجزاء من جنس العمل.
اعمل بالأسباب الجالبة للرزق وأهمها تقوى الله تعالى، كما قال سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ۚ)، وكثرة الاستغفار قال تعالى: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)، وصلة الأرحام يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه)، والتوكل على الله ففي الحديث: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا)، وبإمكانك التعرف على بقية الأسباب في موقع الشبكة الإسلامية.
ابحث عن أي عمل ولا يشترط أن يكون في مجال تخصصك، واذهب إلى مدينة أخرى إن انعدمت الفرص في مدينتك، فلعل رزقك ليس في مجال دراستك وليس في المكان الذي أنت فيه، فكم من شاب درس وأكمل الجامعة في مجال ما ولم يوفق، ثم ذهب ليعمل في مجال آخر ففتح الله عليه أبواب الرزق، وهنالك من الشباب من خرج من مدينته أو من بلده بالكلية فوفقه الله.
من الأمور المنهي عنها شرعا تمني الموت لضر نزل بالإنسان، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي).
الرزق بيد الله تعالى وهو متكفل به، قال تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين)، وعلى العبد أن يبذل السبب، قال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ۖ وإليه النشور).
الفرار من البيت ليس حلا بل هو تنصل وهروب من المسئولية، وعليك أن تقترب من والدتك أكثر واطلب دعاءها وطمئنها وأعنها في مهامها، واجعلها قدوة لك حيث قامت بالبحث عن عمل في حال مرض والدك، وأنفقت على جميع أفراد العائلة ولا زالت، وهذه ليست مهمتها في الأصل فالنفقة إنما تجب على الزوج.
الزم الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فهما من أسباب تفريج الهموم وكشف الكروب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
وثق صلتك بالله تعالى واجتهد في تقوية إيمانك من خلال تنويع الأعمال الصالحة وخاصة تلاوة القرآن الكريم توهب لك الحياة الطيبة، كما قال المولى الرحيم: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
نسعد كثيرا بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يفتح عليك أبواب الرزق ويوفقك للبر بأمك، ويجعلك سببا في راحتها وإسعادها بعد العناء، والله الموفق.