شبح الماضي يجعلني أعيش بفراغ دون أصدقاء وأهداف!

0 204

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور المتواضع، والرائع، والأخ الكبير بالنسبة لنا، الدكتور/ محمد عبدالعليم:
عمري 25 عاما، أكتب لك وكلي حسرة وندم، كلي أسف وألم على ماض حزين وكئيب، وحاضر مؤلم وملل، ومستقبل مظلم ومجهول.

أولا: أنا لا أحب الخروج من المنزل، وتعودت على ذلك، حتى وأنا في البيت أجلس ولا أفعل شيئا، كل الوقت أكون مستلقيا على السرير، وأشاهد التلفاز، أو أقرأ شيئا ما، أو أسترسل مع أحلام اليقظة، وأتحسر على الماضي، وعندما أهم بالخروج أجد نفسي تتوق للعودة إلى المنزل، أظل أنتظر العصر بفارغ الصبر حتى أذهب إلى التمرين، وعند العودة في المساء لا أفعل شيئا سوى التفكير في التمرين القادم.

هل تصدق -يا دكتور- بأن روتيني اليومي الممل لم يتغير منذ خمسة أعوام، وهذا الأمر يحرجني مع أهلي، ومع الزوار والجيران حينما يزورون منزلنا!

أعتقد بأن حادثة الاعتداء في صغري، والتي كانت برضا ورغبة مني، وليست اغتصابا كما نسمع اليوم، أرجح بأنها أثرت على علاقتي وحياتي بشكل كبير.

في السابق كان لدي رهاب كبير، لكنه خف بنسبة كبيرة في الفترة الحالية، لأنني أحيانا أجلس مع مجموعة من الأشخاص يكبرونني بالعمر، ليسوا أصدقائي، لكنني أجلس معهم وأتكلم، وأشاركهم الحديث لو كنت ملما بالموضوع المطروح.

في الوقت الحالي أعيش على ذكريات الماضي، وكيف أنني ضيعت عمري، فقد فصلت من الجامعة بسبب الغياب المستمر، وحلم آخر تبخر مني وصار هباء منثورا، في بداية التحاقي بالدراسة لم تكن لدي الرغبة في الدراسة الجامعة، وبعد فصلي من الجامعة ندمت وأصبحت القراءة تمثل لي عقدة دونية.

في السابق لم يكن لدي رغبة في تكوين شبكة من الأصدقاء والمعارف، نعم كان لدي أصدقاء، لكنهم سقطوا من خارطة حياتي، لأنني في السابق كنت أعيش من أجل حياتي وملذاتي، الاستمناء والأفلام الإباحية، أو متعة متابعة التلفاز، لكن اليوم لدي رغبة في تكوين صداقات قوية ومفيدة؛ بسبب الفراغ الكبير الذي أعيشه، في السابق رغم كوني وحيدا كان وقتي كله ضائعا بالفراغ كما ذكرت لك، وبعد ترك العادة السرية، وفقدان الاستمتاع بالإنترنت والتلفاز كالسابق، أصبحت أعيش في فراغ عاطفي، ولدي وقت طويل جدا، أنا لا أشارك الناس في مناسباتهم، ولا أعاود المرضى، ولا أسير في الجنائز في محيط الحي الذي أسكن به، معرفتي للناس تقتصر على معرفة أسمائهم، أو المعلومات العادية.

تركت العادة السرية، وقلت مشاهدتي للأفلام الإباحية، قرأت في موقعكم العديد من الاستشارات حول تطوير الذات، وتطوير المهارات، وحول التعامل مع الناس، استفدت بالفعل، وزادت ثقتي بنفسي كثيرا عن السابق، فقد كنت أحقر نفسي.

أعاني من القلق، والتفكير في المستقبل منذ طفولتي حتى اليوم، ويتمثل القلق والهم في الخوف من التقدم في العمر، وهذا القلق أفقدني الحاضر والمستقبل.

الكثير من الأشخاص يسخرون مني، ويقللون من قيمتي حينما يحادثونني، حتى إخوتي.

أعاني من الإمساك، والوسواس القهري، والقولون، أعاني من القلق طوال الوقت، أشعر بالحزن طوال الوقت، وبالأخص عندما أستيقظ، وجهي أصبح شاحبا، أشعر بأنني أغرب شخص في العالم، ولا أحد يشبه حالتي، وأخيرا بسبب الفراغ والملل أصبحت أخاف من الغد وكيف سيكون؟

شكرا لكم، وآسف على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ omer حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك -أخي الكريم- دائما على مساهماتك الطيبة في استشارات إسلام ويب.

أعتقد أنت محتاج لأشياء معينة، محتاج أن تنصف نفسك قليلا، وتحدد ما هو إيجابي في حياتك، وأنا متأكد أن هنالك إيجابيات، هذا أمر مفروغ منه وأمر لا شك فيه.

أنا أعتقد أن هنالك استحواذا فكريا سلبيا كاملا هيمن عليك، وهذه مشكلة أساسية كما وصفها أحد علماء السلوك، وهو العالم آرون بك: اضطرابات المزاج -كما يقول آرون بك- ليست هي الأساس، إنما هي ثانوية وناشئة من اضطراب الفكر، والاستحواذات السلبية العميقة، وهذه كما قال تعالج من خلال استبدالها، وكل شيء له مقابل، الموت يقابله الحياة، والشر يقابله الخير، والكسل يقابله النشاط،... وهكذا.

فيا أخي الكريم: قم بهذه الاستبدالات الفكرية والسلوكية، وأنت الذي تستطيع أن تغير نفسك، وقطعا الإنسان حين يسير على الطريق المستقيم، طريق الاستقامة وطريق الرشاد، يكون قد حرر نفسه من استعباد ساهم كثيرا في سلبياته، وأنا أراك على هذا الطريق.

ويا أخي الكريم: المجتمع السوداني من أكثر المجتمعات المنفتحة، من حيث التواصل، وبناء النسيج اجتماعي صحيح، والمساجد عامرة -يا أخي- كما تشاهد، فاحرص على الصلوات الخمس في المسجد، وفي بعض الأحيان يوجد شباب لديهم أنشطة عظيمة في المساجد، شاهدت ذلك بأم عيني، وكنت أتمنى أن يكون أولادي بينهم، فاجعل لنفسك حظا من ذلك، وبناء الحياة على هذه الشاكلة يؤدي إلى تطوير الذات وتنمية المهارات، فأرجو أن تكون على هذه الشاكلة.

أخي الكريم: بالنسبة للتفكير في الماضي: لا نرفض التفكير في الماضي، فالماضي يفرض نفسه علينا، ولكن الأسى والأسف عليه لا يفيد أبدا، وهو قد انتهى، انظر إلى الحاضر، والحاضر هو مستقبل الماضي، والمستقبل قطعا أهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد، لا تجعل التشاؤم سبيلك أو مشاعر لديك، إنما التفاؤل والأمل والرجاء، وطاقاتك كثيرة جدا، أخرجها لتستفيد منها وتغير ما بك أيها الفاضل الكريم.

حسن إدارة الوقت علم، بل هو فن من الفنون البسيطة، لكنها راقية جدا، ومن يدير وقته يدير حياته، الوقت من ذهب إن لم تقطعه قطعك، فاغتنم وقتك، واغتنم حياتك قبل موتك، واغتنم شبابك قبل شيبتك وضعفك، واغتنم صحتك قبل سقمك، واغتنم غناك قبل فقرك.

هذا ما أذكرك به، ويجب أن تأخذه بجدية تامة، علماء السلوك توصلوا إلى أن الرياضة تجدد الطاقات النفسية قبل الجسدية، أنت -الحمد لله- لديك نصيب في هذا النشاط، لكني أريدك أن تستمتع به لدرجة أكبر، قراءاتك حاول أن تشكلها، لا تكن نمطيا في اطلاعاتك.

أخيرا: بر الوالدين سوف يجعل لك خيري الدنيا والآخرة، وأذكار الصباح والمساء مهمة جدا، لأن ذكر المساء حافظ، وذكر الصباح أيضا حافظ ودافع نحو الخير كله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات