السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب، تعرضت للعنف المادي واللفظي والجسدي في طفولتي من قبل والداي، فكانا يشبعاني ضربا، ويلقيان علي الألفاظ البذيئة، والدعاء علي بالشر، وكنت أتعرض أيضا إلى الإهانات والسخرية بكلام جارح من عماتي وخالاتي، مما يحرجني أمام الناس.
عندما بدأت أدرس في المرحلة الإعدادية، وكنت على وشك بلوغ 12 سنة من عمري، كنت ما زلت ألعب مع ابنة عمتي التي تصغرني بست سنوات، وكانت عمتي وابنتها يتهمونني بالجنون، وصغر عقلي أمام أمي والناس.
كما أن والدتي تعرضت لأذى عمتي، فقد قولتها كلاما لم تقله، واتهمتها بغير حق، وفضحتها أمام عماتي، كما كانت أختي تهينني أيضا، وتسخر مني وتضربني، وقامت بدفعي ذات مرة فوقعت على رأسي، وشعرت بالدوار، وضربتني على بطني.
كانت جدتي وخالتي يصفونني بأنني لست اجتماعيا، لأنني لم أكن أخرج من المنزل إلا قليلا، وليس لدي أصدقاء، والسبب هو لأنني لم أجد صديقا حقيقيا بعد، فقد فقدت أصدقائي الأولاد عندما اكتشفت أنهم يستغلونني، وأن سلوكهم أصبح سيئا، وأتمنى أن أجد صديقا يناسبني.
عندما قلت لجدتي ما حصل لي من أذى عماتي، قالت لي: أنت جبان، ولست رجلا، لأنني سكت على ما حصل لي من ظلم، ولكنني لا أستطيع أن أنال حقي منهم لأنهم أكبر مني سنا، وليس لدي القدرة على فعل ذلك.
كما أن خالتي الأخرى كانت تضرب ابنها الذي يبلغ من العمر 5 سنوات، كانت تضربه ضربا مبرحا، وتصفعه بقوة لكثرة صياحه وطلباته، مما أدى ذلك إلى تغير سلوكه فأصبح عصبيا جدا.
في الصيف الماضي، طلبت من أبي أن يشتري لي شيئا من مالي، وذلك الشيء لا يستطيع أن يشتريه إلا من يملك بطاقة تعريف وطنية، لكنه رفض، رغم أنني أقنعته بكل الوسائل، إلا أنه رفض، فمللت من رفضه، وانعزلت في غرفتي، وساءت حالتي النفسية، وشعرت بدوخة في رأسي.
أصبحت أحصل على نتائج سيئة، وعندما أغضب أو أتعرض للإهانة أشعر بآلام في الدماغ، ودوار في الرأس، فما توجيهكم لحالتي؟
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أحيانا تحدث في حياتنا أمور كثيرة متراكمة، وتستمر بالتراكم حتى تأتي لحظة يظهر أثر كل هذا التراكم في هذه الحظة، وفي مكان ما، فنظن أن هذه اللحظة، وهذا المكان هما اللذان تسببا فيما حصل، بينما في الحقيقة إنما هو لتراكم الأمور عبر السنين الطويلة، فهناك احتمال كبير أن هذا هو الذي حصل معك، فمما لا شك أن سوء المعاملة خلال السنين الماضية من والدك وعماتك وخالاتك وغيرهم، وما عشته ورأيته من أحداث عائلية، وفي المجتمع والمدرسة، كل ذلك سبب عندك هذه الأعراض التي تعاني منها، وخاصة عندما انتابك هذا الذي وصفته بالشيء الذي حدث في دماغك، والصداع والشعور بالدوار.
ومما لا شك فيه أن الأحداث، وسوء المعاملة، والتربية التي تلقيتها، قد أثرت كثيرا في شخصيتك، فأصبحت حساسا، وربما منطويا بعض الشيء، ولذلك فأنت لا تخرج من البيت، وخاصة بعد أن خاب ظنك في أصدقائك، عندما اكتشفت أنهم كانوا يستغلونك، وكذلك ما ذكرت من أنك تجد صعوبة في أخذ حقك من الآخرين.
فما العمل الآن وقد جرى ما جرى؟
أولا: دعني أقول أنه لا شك أنه يمكنك التغيير والخروج مما أنت فيه، وإن كان يحتاج لبعض الوقت والجهد، حيث أن سوء المعاملة قد استمرت لسنوات وسنوات، فلا بد من الصبر على طول الطريق، والذي يمكنك أن تختصره بوجود العزيمة، والرغبة في التغيير، وربما يفيدك أن تمسك ورقة وقلما، وتكتب على النصف الأيمن الإيجابيات الكثيرة الموجودة في حياتك، والتي قد تكون صفات موجودة فيك وفي شخصيتك، أو ظروفا جيدة متاحة لك، أو وجود من يقف معك ويحاول أن يساعدك، وعلى النصف الأيسر السلبيات والصعوبات والتحديات التي تواجهها في حياتك، ومن ثم تحاول أن تركز اهتمامك وتفكيرك على النصف الأيمن، نعم النصف الإيجابي، فأنت في أمس الحاجة لبناء ثقتك في نفسك، والانطلاق للأمام.
صحيح أنك لن تستطيع نسيان الماضي، وأنت غير مطالب بنسيانه، إلا أنه يمكنك عدم العيش فيه، وإنما الاستفادة من دروس الماضي لتعيش اللحظة الحالية والمستقبل، ومما سيعينك كثيرا، هو محاولة الخروج من البيت والاجتماع بالناس الآخرين، والحديث معهم، وبناء الصداقات، فهذا مما سيقلل من الآثار السلبية التي نشأت عندك من سوء المعاملة في الماضي.
ولا شك أن الاعتناء بنفسك بكل جوانب حياتك، من الصلاة والرياضة والهوايات المختلفة، والنوم المناسب والتغذية الصحية، كل هذا سيعطيك العزيمة والقوة للعمل على بناء نفسك، وتجاوز سنوات الإساءة والسلبية التي تلقيتها.
وفقك الله، وبانتظار أن نسمع أخبارك االطيبة.