السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
أنا أرملة أبلغ من العمر 50 عاما، وقد ربيت 3 بنات وولدا وحدي، وقد كنت في بلد غريب، وزوجي يعمل في مكان بعيد عن سكنه؛ لذلك فإنني ضحيت كثيرا، وتعبت على تربيتي لأبنائي، وقد وصلوا -ولله الحمد- إلى درجات عالية من العلم، ومع ذلك فإن بعضهم ينكر تعبي وتضحيتي من أجلهم، وتحملي المر والهم طول تلك السنين، ولكنني أنتظر الأجر من الله تعالى الذي ألهمني الصبر طول تلك المدة.
ولدي الآن آخر بناتي عمرها 19 سنة، ولكنها لم توفق في الجامعة، وقد تم طردها من الجامعة لأسباب كثيرة، والمشكلة الآن أن كل أبنائي يريدون التدخل في تربيتها.
مثلا: في النصائح والإرشادات، والتي غالبا ما تسبب لها الارتباك، وإعطائها المال بدون علمي لتصليح الهاتف الجوال، أو لشراء الملابس، وأخذها إلى المجمعات التجارية، وتركها للتسوق مع أخت زوج ابنتي الأخرى.
هنا تبدأ المشكلة عندما أعلمها مبدأ ما في المنزل؛ فتأتي الأخت الكبرى لتخالف هذا المبدأ في الخارج، وأيضا تلومني وأنا أمها بأنني أضغط على ابنتي، وبأنني لست أما جيدة، وبأن ابنتي الصغرى لم تخطئ عندما مشت في المجمع مع بنت في مثل سنها، أنا هنا لست أشكك في أخلاق أي أحد، ولكنه نفس المبدأ الذي ربيت عليه بناتي الأخريات، ورأيت بأنه قد أثمر.
علما بأنني قد طلبت منهم مرارا وتكرارا عدم التدخل في تربيتها، ولكنهم قد أفسدوها بهذه التصرفات، فهي الآن ترتاح لأختها الكبرى، وتفضل الخروج مع أختها هذه، وسماع كلامها على سماع كلام أمها؛ لأنها تجد أن أمها متشددة! نعم أنا أعترف بأنني عصبية، ولكنني أطلب من ابنائي بألا يتدخلوا في تربية ابنتي الصغرى بأي شكل من الأشكال، فأرجو من حضرتكم التكرم بتوجيه كلمة لهم؛ لأنهم لا يعتقدون بأن كلامي صحيح! ولأنني تعبت من المشاكل التي يفتعلونها كلما طلبت منهم الابتعاد عن تربيتها!
وجزاكم الله خيرا!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يبارك فيك، وأن يطيل في عمرك على طاعته، وأن يجزيك عن أولادك خير الجزاء .
وبخصوص ما ورد برسالتك، فأحب أن أذكر لحضرتك أن تفاوت السن والثقافة واختلاف الأزمان له أثره في اختلاف وجهات النظر بين الأجيال، ولعلي أتصور أن خلافك مع أولادك من هذا الباب، حيث إنهم ينظرون إلى الحياة والتربية والحرية بنظرة تختلف عن نظرتك، ولعلهم يرون أن أسلوبك الذي سلكته معهم لم يصبح مناسبا مع أولاد وبنات هذا العصر، وأرجو أن يكون الأمر لا يزيد عن هذا، وهذا أمر وارد فعلا، مع عدم إغفال الجوانب المشرقة والمضيئة في التربية بالأساليب السابقة؛ ولا أدل على ذلك من نجاح هؤلاء الذين يعترضون عليك اليوم في حياتهم الأسرية والاجتماعية.
وأحب أن أقول لهؤلاء الأفاضل: ليس كل قديم غير صحيح؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لكان معنى هذا أن تربيتكم خاطئة، وأنكم لستم بناجحين في حياتكم، وواقعكم خلاف ذلك، ولا يجوز لنا بحال أن نثور على القديم لمجرد أنه قديم، ولا يجوز لنا أن نتهم من قامت بهذا الجهد بأنها غير جديرة بالتربية الآن، أو أن وسيلتها عقيمة، وأصبحت لا تناسب العصر، فهذا على إطلاقه غير صحيح، فكم كنت أتمنى أن يكون تدخلكم في تربية أختكم بالتنسيق مع الوالدة، وليس بالاعتراض على أسلوبها، خاصة أمام أختكم، مما يؤدي إلى تمردها وعصيانها لأمها، مما يوقعها في معصية الله تعالى، ويفسد عليها حياتها، لذا أود وأتمنى أن يكون تدخلكم بالتنسيق مع الوالدة وليس أمام أختكم؛ لأنكم بذلك سوف تضرون أختكم ولن تصلحوها؛ لأنها بذلك ستفقد القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، مما يضرها في مستقبلها بل وحياتها كلها، خاصة أن مقام الأم أعظم من ذلك، فهي ليست شخصا عاديا، وإنما هي التي أمرنا الله بالإحسان إليها، وألا نكدر خاطرها بأي كلمة سوء، حتى ولو كانت من حرف أو حرفين، بل لقد فسر التابعي الجليل سعيد بن المسيب رحمه الله قوله تعالى: (( وقل لهما قولا كريما ))[الإسراء:23] أن يكون الواحد منا بين يدي والديه كالعبد الذليل بين يدي سيده الفظ الغليظ القاسي، فلا يجوز لولد أو بنت أن يرفع مجرد صوته على والديه أو أحدهما، خاصة الأم، حتى ولو كانت مخطئة، فهناك من الأساليب الراقية ما يمكن لفت نظر الوالدة به دون أدنى جرح لمشاعرها؛ لأن عقوق الأم وعصيانها من كبائر الذنوب، وأحب أن ألفت نظر الأخوات الفاضلات إلى أن المعاملة التي يعاملن بها أمهم سوف يعاملهم بها أولادهن مستقبلا، فهذا قصاص ولابد منه مهما طال الزمن، نعم أنا معكم قد يكون أسلوب الوالدة فيه بعض الخطأ، أو عدم التناسب مع الحدث، ورغم ذلك لا يقتضي ذلك أبدا أن نواجه الوالدة بذلك، خاصة أمام الأخت الصغرى، وإنما إذا وجدتم شيئا من الشدة أو التسلط أو عدم العقلانية فلا مانع من لفت نظر الوالدة إلى ذلك بعيدا عن أختكم، وبذلك تتفاهمون فعلا وتعملون صفا واحدا لمساعدة أختكم، بدلا من هذا الوضع الذي يزعج الوالدة، ويشتت تفكير الأخت ويربكها.
مع تمنياتنا لكم بالتوفيق والبر بالوالدة، ومساعدة أختكم بطريقة صحيحة ومناسبة.