السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة غير متزوجة عمري 30 سنة، الكثير من الناس يستغرب أنني لم أتزوج حتى الآن، رغم أنني جميلة، حتى صرت أشك في شكلي، وأصبحت أغضب بجنون من صديقتي القريبة مني جدا، فقد تربينا سويا، وأسرارنا مع بعض، لكنها صدمتني عندما أبلغتني أنها سوف تخطب فتاة تعرفت عليها منذ فترة قصيرة لأخيها.
تظاهرت بأنني قوية أمامها، وباركت لها، وحاولت أن أتجاهل الموضوع، على الرغم أنني كنت على ثقة بأن أخاها سيكون من نصيبي، وتعرضت للكثير من الإهانات بكلمة (عانس)، وزادت تلك الكلمة بأسئلة الناس لماذا لم تخطبك أنت لأخيها؟
تم الزواج منذ زمن طويل، لكنني ما زلت أشعر بالقهر والإهانة، والنقص، وأغضب كثيرا عندما تتكلم صديقتي معي، لدرجة أنني أفكر بمراجعة طبيب نفسي، ورغم أنني أتظاهر بأنني قوية، لكنني أبكي عندما أكون بمفردي، ولا أستطيع مصارحة أحد بذلك، فهل أنا مريضة ومعقدة فعلا؟
أفيدوني بنصحكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمرحبا بك -أختي الكريمة- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
الزواج رزق من الله تعالى، يسير وفق قضاء الله وقدره، لا يستطيع أحد من الناس أن يتحكم به، وكل ما يدور في هذا الكون يسير كذلك بتدبير الله، وليس ثمة شيء محض صدفة، أو يسير لنفسه، يقول ربنا -جل وعلا-: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس)، والكيس الفطنة.
ينبغي عليك أن تكوني موقنة بذلك، وعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، فذلك جزء من الإيمان، وألا تتسخطي أبدا، فإنه من رضي فله الرضا، ومن تسخط فله السخط، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فالزواج لا يأتي بشدة الحرص، ولا يفوت بالترك، فزواجك سيأتي -بإذن الله- في الوقت، والرجل الذي قدره الله لك، ولن تستطيعي أن تقدمي ذلك، وإن أنفقت ما في الأرض من كنوز، ولن يستطيع أحد أن يمنعك إن أتاك النصيب، ولو وقفت الدنيا كلها في وجهك.
أبادلك الشعور، وأحس بما تعانينه من جراء تلك الكلمات التي لا تصدر إلا من ناقصي الإيمان، ولكن يجب عليك أن تتغلبي عليها بقوة إيمانك بالله تعالى، ورضاك بقضائه وقدره، وأنصحك أن توثقي صلتك بالله تعالى، وأن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال المحافظة على الفرائض، والإكثار من النوافل المتنوعة، فذلك سيجلب لك الحياة الطيبة، كما وعد الله الذي لا يخلف الميعاد بقوله: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
ذنوب العبد قد تحول بينه وبين الرزق، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، فأتمنى أن تجلسي مع نفسك جلسة محاسبة، وتنظري هل هنالك ذنب فعلتيه ولم تتوبي منه؟ وأنا هنا لا أتهمك بشيء أبدا، فلا يذهب بالك بعيدا، وكلنا أصحاب ذنوب، ولكن من باب محاسبة النفس، فكم من الناس من يرتكب الغيبة والنمية كل يوم، وكأنه في حال اقتراف ذلك الذنب يلعق عسلا، ولا يلقي بالا لتبعات تلك الذنوب، وكم من الناس من ظلم أو عق والديه ولم يتب، ولم يستغفر الله، فتصبري وكوني قوية، ولا تظهري ضعفا أبدا، فالصبر عاقبته حسنة، ولك في رسول الله أسوة حسنة، حين كانوا يتهمونه بأنه مجنون وساحر، وتمثلي بقول الشاعر: (وتجلدي للشامتين أريهم ** أني لريب الدهر لا أتضعضع).
أخو صديقتك ليس من نصيبك، فلم تتحسرين على فواته، وقد يكون غير الرجل المناسب لك؟ فتضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة كما بين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، وألحي على الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، واجتهدي في أن تتوفر فيك أسباب الاستجابة، وتنتفي الموانع، وكوني على يقين أن الله سيستجيب لك كما وعد بقوله: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ۚ)، وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ۖ أجيب دعوة الداع إذا دعان ۖ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، وأكثري من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
لا تحتاجين لزيارة طبيب نفساني، فأنت لست مريضة، ولست معقدة، ولا ناقصة، وبدلا من أن تقضي ساعات الوحدة بالبكاء اقضيها بالصلاة والدعاء، فالبكاء لن يقدم ولن يؤخر، وإن كان ما جاءك إلى الآن أي خاطب، فقد يكون عندك نوعا من السحر الذي يمنع عنك الخطاب، فأتمنى أن تبحثوا عن راق أمين وثقة، وتطلبوا منه أن يرقيك بحضور أحد محارمك، فإن تبين ذلك فاستمروا بالرقية حتى تشفين -بإذن الله-، ولا تيأسي من روح الله، وكوني متفائلة، فالتفاؤل من سلوك النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو يبعث في النفس الأمل، ويضفي عليها الطمأنينة، والزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهما من أسباب تفريج الهموم، وكشف الكروب، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
اجعلي لنفسك وردا يوميا من القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك -بإذن الله-، وتسكن نفسك، كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
نسعد كثيرا بتواصلك، ونسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح عاجلا غير آجل، وأن يقر عينيك ويعطيك بعد الحزن سعادة لا توصف.
والله الموفق.