السؤال
السلام عليكم.
أشعر بالضيق والحزن وبصعوبة التعامل مع بعض الناس، سواء من الجيران، أو الأصدقاء، وذلك بسبب أساليبهم وكلامهم غير المنضبط بالأدب والشرع، وملابس بعض النساء غير المحتشمة، وأفكارهم وآرائهم المغلوطة، وقدواتهم غير الصالحة، وأهدافهم من النوم والطعام والشراب والمال ونيل الشهادات، أما الله وشرعه ونبيه ونصرة الدين فلا يلتفتون لمثل ذلك.
فلا أفكاري مثل أفكارهم، ولا أسلوبي مثل أسلوبهم، ولا أهدافي مثل أهدافهم، وخاصة أن الله فضل وأنعم علي بالاستقامة على شرعه واتباع نبيه، وربما تنصحوني بالصبر عليهم ودعوتهم إلى الحق، فأقول أن هؤلاء تشربوا كل هذه الأفكار والمعتقدات، واعتادو عليها، فيسخرون من كلامي، ويحذروني من أفكاري.
أنا أعلم أننا في زمن الغربة، ويجب أن نصبر، وأنا لا أنتظر من الناس جميعهم أن يكونوا مستقيمين محترمين مؤدبين، بلا شك هذا مستحيل، فكيف أتعامل معهم، مع العلم أن أكثر المجتمع هكذا؟ فإما أن أتنازل عن مبادئي عن أوامر ربي، وأختلط معهم، وأسمع باطلهم، وربما أتأثر بهم، وهذا محال، أو أن أترك التعامل معهم، وأقتصر على السلام والابتسامة فقط، أو أن أثبت وأدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وأصبر على أذاهم وسخريتهم، فتبقى مشكلة الشك في نفسي ومعتقداتي جراء إنكارهم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هنيئا لك –أخي أحمد- نعمة الله عليك بالاستقامة على شرعه واتباع نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وشعورك بالضيق والحزن والكراهية لما عليه الكثير من أصدقائك وأقربائك من انحرافات فكرية وأخلاقية، وعدم انضباطهم بالشرع والأدب والقيم الإسلامية، وهذا دليل على تعلقك بالله واستشعارك نعمته عليك بالهداية وحبك الخير للناس، وفي الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه.
كما تستوجب هذه النعمة شكر الله تعالى، بالمحافظة على الواجبات وأداء الطاعات، والبعد عن المعاصي والمنكرات، وأسباب الفتن والشبهات والشهوات (واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)، والمحافظة على نعمة الهداية بالتزام الثبات على الدين والقيم والأخلاق، لا سيما ونحن في عصر الفتن التي تموج كموج البحر، تجعل الحليم حيران عبر تفشي المنكرات في وسائل الإعلام – للأسف -، وعموم الحياة.
وبترسيخها بطلب العلم النافع بقراءة الكتب النافعة، وحضور دروس ومجالس العلم، والاستماع إلى الخطب والمحاضرات والأشرطة المفيدة ومتابعة البرامج الهادفة؛ لما له الأثر الكبير في تقوية الإيمان، والثبات على الدين ومواجهة الفتن (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة).
وكذا المحافظة عليها بلزوم العمل الصالح، قال تعالى: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما)، وبلزوم الصحبة الطيبة التي تذكرك إذا نسيت وتعلمك إذا جهلت وتنبهك إذا غفلت، فإن (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه الإمام أحمد وهو حديث حسن، والصاحب – كما يقال - ساحب، و(إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) رواه أبو داود والحاكم وحسنه الألباني.
فالواجب في التعامل معهم بأداء النصيحة لهم وتذكيرهم برحمة ولطف ورفق (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع عن شيء إلا شانه)، وقال أيضا: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ويعطي عن الرفق ما لا يعطي عن الشدة وما لا يعطي على ما سواه) رواهما الإمام مسلم في صحيحه.
وينبغي التزام الحكمة في نصحهم، وذلك بحسن اختيار الزمان والمكان والعبارة والحجة، والبدء بالأقرب فالأقرب، وكذا البدء بمن تأنس منه الأدب والعقل والاستجابة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، ويستحسن أن تصطحب معك حين أداء واجب النصيحة بعض من تأنس فيه قوة في العلم والتقوى والحكمة، وينبغي الحذر من كثرة مخالطتهم حفظا لدينك وسمعتك، لا سيما مع صغر سنك ورسوخهم في الفسق والانحراف كما ذكرت.
وأخيرا فلا أجمل من كثرة اللجوء إلى الله وذكره ودعائه والابتهال إليه بصلاح أنفسنا وأصدقائنا وأقربائنا ومجتمعاتنا.
اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، وهب لنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.