أبي بخيل ولا ينفق علينا، فما توجيهكم؟

0 265

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 17 سنة، لدي أخ أكبر مني، وأخت أصغر مني، أبي يبخل علينا جدا، على الرغم من أن حالته المادية ممتازة، فهو لا يبخل على نفسه أبدا! فهو يشتري المياه المعدنية له فقط، ويدخن أغلى السجائر، ويأكل أفضل وأجود المأكولات بمفرده!

أبي وصل لدرجة أنه يخفي الطعام من أمامي حتى لا آكله، أبي ليس حنونا علينا، فهو لم يجلس معي ويناقشني في أي من أموري أبدا، وأقسم بالله الذي لا إله إلا هو أن أبي لا يعرف كم عمري أو ما مرحلتي الدراسية الآن! فهو لم يذهب معي إلى المدرسة أبدا، ولا يسألني على مذاكرتي أو أحوالي الدراسية، وأمي تتولي مسئوليتنا بمفردها فقط، وتصرف علينا، وأمي هي من تدفع لي دروس الثانوية العامة الآن، واشتراك النادي الرياضي لي، وأبي لا حول له ولا قوة، وعندما تطلب منه أمي مالا يغضب ويتحجج بأنه ليس معه، وكنت على يقين أنه يتحايل علي بهذه الحيلة الخبيثة، لذلك في أحد الأيام أخذت المفاتيح وفتحت الدرج الذي يضع به ممتلكات العمل، ولقد وجدت مالا كثيرا! وأدركت أنه خبيث محتال لا يعيشنا في خيره!

ووجدت ورقة تحمل رصيدا في البنك بمبلغ عالي، وأخي دخل في مرحلة الزواج وليس لديه ممتلكات أو شقة، لذلك أمي حرمت نفسها واشترت قطعة أرض واسعة لنا وبنتها 4 شقق حتى نتزوج فيها بفلوسها فقط! على الرغم أن هذه مسؤولية الأب وليس الأم، فأبي لا يعرف أي شيء عني غير اسمي، ولا يهتم بي، بالإضافة إلى ذلك بخيل.

ما الحل مع هذا الأب؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ tarek حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من المؤلم فعلا أن يبتلى الشاب بوالد مقصر في النفقة المادية رغم وفرة المال لديه، وفي العاطفة الأبوية مع أولاده.

إلا أن تقصير والدك -أخي العزيز– لا يعفيك عن واجبك الشرعي في التعامل معه بإحسان، كما أمر الله تعالى في قوله: (وبالوالدين إحسانا)، ومعلوم أن لفظ (الإحسان) أخص وأبلغ من لفظ (العدل)، حيث وأن العدل يعني المعاملة بالمثل، وأما الإحسان يعني المعاملة بالفضل، أي لما هو أحسن من المثل، وذلك لما لا يخفى من فضل الوالدين على أبنائهم، فجزاهم الله عنا خيرا، وأبلغ من ذلك أن الله تعالى أمر الأولاد بشكر الوالدين وحسن صحبتهما بالمعروف ولو كانا الوالدان مشركين، بل ويأمران أبناءهم على الشرك، بل ويجاهدانهم عليه، كما قال تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير *وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، وذلك مما يخفف عن الأبناء غضبهم أو حقدهم على آبائهم، ومما يسهم في التخفيف أيضا تذكر جميلهما، حيث كانا سببا في الإيجاد، ثم الإعداد والإمداد بفضل الله سبحانه تعالى.

وحسب والدكم أن أنفق عليكم في الضروريات ولو تخلله شح وتقصير، وفي الحديث: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) رواه أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

ولا يبعد أن يكون ابتلاء والدك بصفة البخل والأنانية واللا مبالاة الشعورية إزاء أولاده راجعا إلى عقد أسرية ونفسية، بأن يكون الوالد - أصلحه الله وهداه وغفر ذنبه وعافاه - قد نشأ في بيئة فقيرة، وفي ظروف مادية ونفسية قاسية وحياة صعبة معقدة، ولعل حسن الصحبة له والإحسان إليه - بإذن الله تعالى - جدير بأن يرده إلى فطرته السوية ردا جميلا، فتذكره بواجبه ومسؤوليته الشرعية والأخلاقية نحوكم، وتوقظه من غفلته، وتنبهه من تقصيره إزائكم، والمهم أن تقوموا أنتم بواجبكم الشرعي إذا هو قصر فيه، وألا تيأسوا من رحمة الله وفي الأمل من إصلاحه.

ولكم أسوة حسنة في والدتكم الكريمة التي قامت بواجب الأب والأم في آن واحد، وتحملت المسؤوليتين المادية والمعنوية بما يندر أن تقوم به امرأة غيرها وفي مثل ظروفها حد الاهتمام بالأمور الزائدة عن الواجب عليها (في دفع تكاليف دروس الثانوية، والنادي الرياضي، وأبلغ من ذلك شراء أرض واسعة وبناء أربع شقق عليها لأولادها)، فبـارك الله فيها، وأحسن لها المثوبة والأجر، لذا أوصيك - ولدي العزيز - بالتحلي بخلق التغافل والتسامح والصبر التزاما بأمر الله تعالى لبر الوالدين، والإحسان إليهما، وحسن صحبتهما بالمعروف، كما أوصيك بالعناية بوالدتك عرفانا بجميلها وشكرا لمعروفها، ومن لوازم ذلك زيادة الاهتمام بواجباتكم الشرعية والأخلاقية، وإعطاء الدراسة حق الأولوية في حياتكم وانشغالاتكم، كما أوصيكم بالدعاء لوالدكم -غفر الله له وجزاه خيرا- ويمكنكم نصحه وتذكيره بواجبه بالمعروف وعبر أحد أصدقائه وأقربائه المتميزين بالحكمة والتأثير عليه، وادع الله خالصا من قلبك في سجودك أن يحنن قلبه عليكم، ويمد إلى الإحسان والعطف إليكم، وتقربوا إلى الله بالتقرب إلى والديكم بحسن الطاعة والخدمة والرعاية والتلطف والابتسامة والمحادثة.

أسأل الله تعالى أن يرزقكم الصبر على البلاء، والشكر للنعماء، والرضا بالقضاء، ويغفر لوالدكم ويصلحه، ويجزي والدتكم خيرا، وأن يعينكم في دراستكم وفي أموركم عامة، ويرزقكم ووالديكم سعادة الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات