السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب، كنت أرغب بالزواج من فتاة حين كان عمري 14 سنة، وكان عمرها 11 سنة، وشاء الله بعد الانتهاء من الجامعة بأن أتقدم لخطبتها، والدها متوفى، فطلبت أمها أن نتعرف على بعض لفترة معينة، ويتم من خلالها عمل الاستخارات.
استمر الموضوع على هذا الأمر مدة 3 سنوات، حدث خلالها مشاكل كثيرة بيننا انتهت بالانفصال، وبعد سنة تزوجت الفتاة من شخص آخر، فهي متزوجة منذ 8 أشهر، لكنني ما زلت أفكر فيها، وأدعو الله في الثلث الأخير من الليل بأن يخرجها الله من قلبي، وما زلت متعلقا بها حتى الآن.
أتألم كثيرا لفراقها، وكل ما أنساها بعض الشيء أجدها أمامي في شبكات التواصل، أو في التلفاز، لأنها تعمل في مجال الإعلام، تعبت كثيرا من هذا الأمر، وأطمع في نصحكم وتوجيهكم لكي لا أصل للطبيب النفسي، فكيف السبيل للتخلص من ذلك التعلق؟
أفيدوني مع الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رامي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
شكرا لك على الكتابة إلينا بما في نفسك بخصوص هذه الفتاة، أعانك الله ويسر لك أمرك.
طبعا من الطبيعي أن تكون مشغول البال في تجربة مررت بها وعشتها لعدة سنوات، وخاصة أن هذه التجربة متعلقة بأمر عاطفي، وكيف للإنسان أن ينسى مثل هذا الأمر في وقت قصير؟!
ولا أريد أن أذهب في ذهني بعيدا في طبيعة هذه العلاقة العاطفية التي ربطتك بهذه الفتاة، وسأحاول أن أركز فقط على ما ورد في سؤالك، وخاصة أنك لم تتطرق في سـؤالك للكثير من التفصيل، وكل الذي أرجوه أنها كانت علاقة لا يشوبها سلبية على خلقك واستقامتك -حفظك الله-، وشعرت أن من الواجب أن أذكر هذا أمانة لله وللرسول الحبيب -صلى الله عليه وسلم-.
يا ترى هل أنت آسف بشدة على انتهاء هذه التجربة، أو أنك ما زلت تتمنى لو استمرت؟ إن جوابك على هذا السؤال هام إن كنت تريد نسيان هذه التجربة وتجاوزها، وما هي الدروس التي تعلمتها؟ ولاشك أنك تعلمت غير القليل عن نفسك، وعن طبيعة العلاقات، وعن طبيعة الناس عموما، فيا ترى ماذا يحدث إن طلبت منك "ألا تفكر أو تتخيل الفيل الأزرق"؟ لا شك أنك لن تفكر أو تتخيل إلا الفيل الأزرق.
ولذلك فعندما نحاول جاهدين نسيان أمر ما، فلشدة رغبتنا في نسيان هذا الأمر فإننا لا نفكر إلا فيه، وهذا ربما ما يحدث معك، ولذلك فربما الحل هو في ألا تبذل جهدا كبيرا في نسيان هذه الفتاة، فأنت في هنا لا تفعل أكثر من تعميق التفكير فيها، وإنما حاول أن تصرف انتباهك لأعمال عادية يومية، واترك للزمن أن يعينك على نسيان ما تم، ولكن أهم من النسيان الاعتبار وأخذ الدروس.
ومن بعض المهارات التي قد تعينك مثلا:
اكتب اسم الفتاة على ورقة، ومن ثم قم بحرق هذه الورقة لتذهب في الهواء، أو اكتب اسمها على ورقة، ثم ألقها في البحر لتذهب مع الأمواج، هذه بعض الأمور الرمزية التي يمكن أن تعينك على النسيان، وربما شعورك بالألم كون هذه الفتاة في غاية السعادة، فحتى هذا الشعور يعمق عندك التعلق بهذه الفتاة، وربما الأفضل لك أن تتركها وحالها، وكما يقال "الله يسعدها ويبعدها".
وفقك الله، ويسر لك الخير.
ـــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: مأمون مبيض، استشاري الطب النفسي.
وتليها إجابة الدكتور: عقيل المقطري، مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
ـــــــــــــــــــ
فمرحبا بك -أخي الكريم- في الشبكة الإسلامية، وردا على استشارتك أقول:
إنني أقدر مشاعرك وعواطفك الفياضة، وحرصك على الزواج من تلك الفتاة، لكنني أذكرك بأنك شاب مسلم، تؤمن بقضاء الله وقدره، فالرغبة الشديدة، والحرص الشديد على الزواج منها لا يكفي في تحقيق المراد، لأن إرادة الله تعالى فوق إرادة العبد، فالإرادة النافذة هي إرادته سبحانه وتعالى، كما قال ربنا -جل وعلا-: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين).
لن ينال المرء إلا ما كان مقدرا له من الله، فما كان من رزقك وفقك الله للعمل بالأسباب التي توصلك لتحقيق المراد، حتى لو وقف العالم كله في وجهك، وما لم يكن من رزقك لو بذلت كنوز الدنيا، ولو وقفت الدنيا كلها في صفك لا يمكن أن تتحصل عليه.
مع مكوثك في علاقة مع تلك الفتاة لمدة ثلاث سنوات، إلا أنه لما لم تكن من رزقك تفرقتما، ولعل الله صرف عنك شرا ما كنت تتوقعه، فأقدار الله كلها خير للإنسان، وما على المؤمن إلا أن يرضى بذلك، وليكن شعارك: "قدر الله وما شاء فعل، -والحمد لله- على كل حال"، فمن رضي بقضاء الله فله الرضا، ومن سخط فله السخط، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).
قد يحب العبد شيئا وهو شر له، وقد يكره شيئا وهو خير له، كما قال ربنا -جل في علاه-: (وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
لم تذكر لنا شيئا من صفات تلك الفتاة، هل هي صاحبة دين وخلق، أم أنها مجرد فتاة رأيت فيها جمالا فحسب؟ فإن كانت ليست صاحبة دين وخلق فلا يؤسف على أمثالها، لأن الدين والخلق هما صمام أمان الحياة الزوجية، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (تنكح المرأة لأربع: لدينها وجمالها ومالها وحسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، ومعنى تربت يداك التصقت بالتراب، فلا خير في زوجة لا دين لها، ولا بركة فيمن كانت سبب فقر زوجها.
مهما كانت تحمل من الصفات، فلن تكون حكرا عليها، وما عليك سوى البحث، ولعلك تجد من هي أكثر جمالا منها، وأقوى تدينا، وفيها من الصفات ما يدعو لاستدامة العشرة -بإذن الله تعالى-.
من أفضل الأدعية التي تقال في حال فقد العبد لشيء محبوب، ما علمنا نبينا -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيرا منها)، قالت أم سلمة: (لما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم).
كل إنسان في هذه الدنيا سيعيش حياته كما قدر الله له، والحياة مليئة بالأحداث والآلام، ولن تصفو هذه الدنيا من أكدارها، وأنت أيها -الأخ الحبيب- إن بدأت تبحث عن زوجة وخطبتها، ومشيت في خطواتك نحو الزواج، سوف يتلاشى تذكرك لتلك الفتاة، لأن فتاة أخرى دخلت في حياتك، لكن طالما وأنت واقف في مكانك ستبقى مخيلتك تتذكرها.
أنصحك في حال تمكنت من خطبة فتاة: ألا تطيل فترة الخطبة؛ لأن ذلك يتسبب في كثير من المشاكل تؤدي إلى النفرة الشديدة، والعلاقة الزوجية تتوطد بعد الزواج أكثر، بسبب العلاقة الحميمية، والممارسة الحقيقية للحياة، فانشغل في مصالحك، وارسم لنفسك أهدافا واسع لتحقيقها، وأعمل فكرك في السبل التي توصلك لتلك الأهداف، فإن فعلت ذلك ملأت أوقاتك الفارغة، وقل تفكيرك فيها، والزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب إزالة الهموم، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر ذنبك)، وأكثر من تلاوة القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق.