أعاني من زميلة معي في الدراسة. فكيف أتقي شرها؟

0 202

السؤال

السلام عليكم.

تدنى مستواي الدراسي كثيرا، أول سنة ثانوي، أظن أن كل ما في الأمر أني مجبرة على مصادقة فتاة أكرهها، أشعر أني أنافق حين أبادلها الابتسامة أو غيرها، لأنها في السابق سببت لي الكثير من المشاكل مع الأصدقاء والأساتذة.

لا يمكنني أن أغفر لها، بل ولا أن أنسى صنيعها بي، فلولا رحمة الله بي لكنت لا زلت معقدة ومنعزلة، أخاف الحديث مع الناس والاختلاط بهم، ولا أؤمن بوجود الأصدقاء، لا أثق بأحد ولا حتى بأمي.

وصلت لهذه الحالة بعد معاناة 9 سنوات مع أشخاص يدرسون معي، ويفسدون علاقاتي مع أي كان، أقول مجبرة لأنه ليس لنا حق اختيار مع من نجلس، أنا لا أشعر بأي راحة في المدرسة، كما أن هذه الفتاة تحب فتى في صفنا، في الواقع هو أبله منها، لكنها لا تتركني أدرس، فهي تتحدث عنه 24 ساعة، وتكسر رأسي بحكاياتها، لكني أشير إلى تحسين مستواي، وإلا فلن يكون لي حق الالتحاق بالشعبة المرادة في السنة التالية، أريد طريقة للتخلص من هذه الفتاة بلباقة رجاء!

أشكركم على هذا الموقع الجميل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جيهان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ما أشبه حالك المؤلمة - أختي العزيزة - بقول الشاعر المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى * عدوا له ما من صداقته بد.

ومعنى هذا البيت الشعري الحكيم: أن من محن الدنيا على الحر أن يرى عدوه, ويضطر إلى إظهار صداقته؛ خوفا من شدة أذاه, وهو ما يسميه العلماء بـ(المداراة)، أي دفع أذى الناس بالرفق والملاينة والملاطفة، وخفض الجناح لهم، ولين الكلام معهم.

ليست المداراة كما قد يتوهم البعض أنها من المداهنة والنفاق, ذلك لأن المداهنة من الدهان, وهي تكون بإظهار الرضا في معاشرة الفاسق من غير إنكار عليه, وهي تكون بترك الدين لغرض صلاح الدنيا.

قال تعالى: (ودوا لو تدهن فيدهنون)، أي لو تترك ما أنت عليه من حق فيمالئونك، كما قال سبحانه في آية أخرى: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات..).

أما المداراة: فهي أن يبذل الإنسان شيئا من دنياه من أجل صلاح دنياه أو آخرته أو صلاحهما معا، وحكمها شرعا: الجواز، وقد يصل إلى الاستحباب؛ كونها من الوسائل التي تعطى أحكام المقاصد، وهي أمر وإن كان مؤلما على النفس حيث يتجرع صاحبه بمهانة العجز مرارة غصة, إلا أنه من مقتضى العقل والحكمة والحلم لاسيما عند الاختلاف حتى يجعل الله فرجا ومخرجا.

قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: (كانوا يقولون: المداراة نصف العقل, وأنا أقول: هي العقل كله)، وثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن أعرابيا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول عليه فقال: ائذنوا له, بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، قالت فقلت له يـا رسول الله، قلت ما قلت, ثم ألنت له في القول! فقال: (أي عائشة, إن شر الناس منزلة عند الله من تركه – أو ودعه – الناس اتقاء فحشه)، أي لأجل اتقاء قبح فعله وقوله، ففيه كما يقول العلماء الحث على استمالة النفوس وتأليف القلوب بالمداراة عند الضرورة.

مثل ذلك مشروع في تعامل الأزواج للتأليف والمودة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع) متفق عليه، وكما في تعامل بعض السلف مع حكام السوء, وإنما شرع ذلك تحرزا مما يثير الشحناء والفتنة، ويؤدي إلى العداوة والضرر واختلاف الكلمة، كما في قول الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه: (إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم, وإن قلوبنا لتلعنهم).

يجب في المداراة الانتباه إلى أمرين مهمين: الأول: أن تكون عند شدة الحاجة التي في تركها مشقة، وإن كانت محتملة لكنها عسيرة وشديدة؛ لقوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)، أو الضرورة التي لابد منها، ولا غنى عنها، إذ في تركها ضرر شديد على الدين أو الدنيا، كما قال تعالى: (إلا ما اضطررتم إليه).

الثاني: أن تكون المداراة بحسب الضرورة، إذ (الضرورات تقدر بقدرها)، مما يلزم أن يحرص الشخص على دفع حالة الضرورة قدر المستطاع بالسعي إلى التخلص من صديقة السوء، بالخروج من حالة العجز والضعف ما أمكن، وذلك بإعداد العدة وبذل الأسباب، وتوفير أسباب القوة أو الاستعانة بأهل القدرة ونحو ذلك.

احذري -أختي الكريمة- من المبالغة في سوء الظن بالناس كلهم، كون ذلك آفة أخلاقية ومرض نفسي، ومخالفة شرعية، لا تنبغي بغير حجة بينة، ولا دليل قطعي، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)، رواه مسلم.

لذا أوصيك - أختي الكريمة - بالصبر والحلم والرفق والتريث، واتخاذ البديل لصديقة السوء هذه بالصحبة الطيبة، والتي تكون لك عدة في الشدة والرخاء, كما أوصيك بتقوى الله حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا، ويجعل لك من أمرك يسرا.

قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن لله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا).

وهـذا وأسأل الله تعالى أن يفرج همك ويشرح صدرك، وييسر أمرك، ويلهمك الرشـد والصواب، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.

مواد ذات صلة

الاستشارات