أنا في صراع مع الشك في الله ولا أجد أجوبة!

0 152

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب في العقد الثاني من عمري، مشكلتي هي تسرب الشك في الله والعقيدة إلى نفسي، منذ بدأ هذا وأنا أشعر أن حياتي غير مستقرة، لا أنكر أن بي ميلا إلى الإيمان، لكني أخشى أن يكون سببه هو النشأة أو الخوف من التغيير، حاولت أن أبحث وأدرس الموضوع ولم أجد الجواب الكافي، فهل حل هذه المشكلات يكون بالدراسة؟

أحيانا أقرر أن أرفض هذا الشك وألتزم في الحياة كما هي، لكني ما ألبث إلا أن أشعر أن فعلي ذلك هو لالتزامي الدنيوي وليس نتاج بحث صادق عن الحقيقة!

المشكلة أصبحت تؤرقني نفسيا وعمليا في فشلي في الدراسة واضطراب سلوكي، وتسرب الاكتئاب إلى نفسي، حاولت أن أبحث عن أجوبة، وقرأت قصة الصحابة الذين أتوا بمشكلة الشك، ولكني لم أستطع أن أنتهى عن التفكير، هو ليس وسواسا قهريا، لكن هذا الموضوع هو جوهر الحياة وأساسها، ولا أريد أن تبنى حياتي على أساس غير ثابت أو مشكوك فيه، وأنا أتيت للمشورة لما رأيت في موقعكم من الصدق والأمانة العلمية.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هيثم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الشك في وجود الله على نوعين:

النوع الأول: مجرد وساوس شيطانية مع استقرار الإيمان بالله في القلب، وعلاج هذا النوع أن تدفع تلك الوساوس بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وعدم التحاور معه وساوسه، وقطعها فور ورودها، وليس على صاحب هذا النوع من الوساوس إثم ما لم يعمل وفقها أو يتكلم، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم).

هذا النوع من الوساوس أصيب به بعض الصحابة، ففي صحيح مسلم -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال ذاك صريح الإيمان". والمقصود بقوله: (ذاك صريح الإيمان) أي كراهية هذه الوساوس وبغضها والنفور منها هو صريح الإيمان.

النوع الثاني: أن يستقر الشك في القلب، ولا يكون حديث نفس فقط، بل يتبعه صاحبه بالقول أو العمل، فهذا كفر بالله تعالى.

أخي الكريم: هنالك جمع من الباحثين الذين تخصصوا في النظر في الكون وحركته بما فيه من نجوم وكواكب كانوا ملحدين، لكن نظرهم وتفكرهم في تلك المخلوقات قادهم إلى الإيمان، وقد كانوا يعيشون في مجتمع مادي لا يؤمن بوجود الله، فهل يليق بنا أن نشك بوجود الله تعالى ونحن مسلمون؟! وقد من الله علينا بمبعث نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي جاءنا بالبينات والبراهين على وجود الله تعالى، فآمن عتاة الكفار في ذلك الزمان، فاقرأ القرآن بتدبر، وانظر في ملكوت الله في الكون الفسيح، وتفكر في نفسك وخلقك، كما قال تعالى: (وفي أنفسكم ۚ أفلا تبصرون).

لست بحاجة للدراسة والبحث في هذه القضية، فعندك القرآن الكريم والسنة النبوية بما فيهما من الإعجاز العلمي الذي أذعن له الغرب اليوم، وهو العالم الأكثر تحضرا، والذي امتلك من آلات العلم وأدواته ما لم يكن موجودا في زمن النبوة، فكونه متطابقا بما علموه وتعلموه ولمسوه دليلا على أنه من عند الله، فإن لم نؤمن بوجود الله فلا عقول عندنا.

هنا الفضل لمن آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يره، وإنما يؤمن بما جاء في سنته عليه الصلاة والسلام، فقد روى الإمام أحمد من حديث أبي جمعة -رضي الله عنه- قال: تغدينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله أحد منا خير منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك، قال: (نعم قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني).

لا يلزم للإيمان بوجود الله أن نراه بأعيننا، فهنالك أمور كثيرة يؤمن بها جميع الناس حتى الملاحدة الكبار؛ لأنهم رأوا وأحسوا آثارها مثل الكهرباء، فجميع الناس يؤمنون بوجودها ولم يرها أحد منهم، وأي إنسان لا يؤمن بذلك فإنه يوصم بالحمق والغباء ويضحك الناس عليه.

لقد استدللنا على وجود الكهرباء بآثارها والأدلة التي دلت على وجودها مثل النور وعمل الأجهزة التي لا تعمل إلا بها، وهكذا القول في وجود موجات الأثير والترددات التي توصل إلينا صوت المذياع والتلفزيون، فهذه القضايا وغيرها قد حكمنا بوجودها دون تردد، ولم نؤجل ذلك أو نشكك فيه لعدم رؤيتنا المباشرة له، ولم نقل نحن لا نؤمن حتى نتعلم وندرس ونصل للحقيقة بأنفسنا.

هنالك غيبيات نستدل على وجودها من خلال آثارها أو بعقولنا كما مر معنا في أمر الكهرباء وموجات الأثير، وهنالك غيبيات نستدل على وجودها بواسطة الأخبار الصادقة، وهي ما نطقت به الكتب السماوية، كالجنة والنار، فجميع الكتب نطقت بذلك، وهنالك غيبيات نستدل على وجودها بواسطة الأخبار الصادقة والعقل، وكذلك من خلال آثارها كوجود الله تعالى، فالكتب السماوية قد نطقت بوجود الله تعالى، وآثار وجوده سبحانه لا تحصى، والعقل الصريح يشهد بوجوده سبحانه وتعالى، والذي لا يؤمن بوجوده ما هو إلا مكابر.

جميع الأمم السابقة تؤمن بوجود الله غير أنهم يشركون معه في عبادتهم غيره، يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم في عباد الأصنام: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفىٰ)، وقال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون)، وقال في أهل الكتاب: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون).

لا ينكر وجود الله إلا الدهريون القدماء والشيوعيون المعاصرون، فالقدماء قالوا: (ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)، وقال المتأخرون: (لا إله والحياة مادة).

ما تعانيه من الأرق واضطراب الحياة والسلوك والاكتئاب نتيجة طبيعية لهذا الشك؛ لأنه خروج عن الجادة، يقول تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)، وقال: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ۖ ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ۚ كذٰلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون).

لعلك تلاحظ حين تحدث نعمة لشخص غير مسلم كيف تطمح عيناه إلى السماء حين شكر تلك النعمة، أليس ذلك داعي الفطرة التي في النفس من أن الله جل شأنه في السماء؟!

لقد شهد بوجود الله كثير من علماء الغرب قديما وحديثا، فمنهم نيوتن مكتشف قانون الجاذبية، ومنهم الفلكي الإنجليزي هرشل، ومنهم مديرة مرصد جرنيتش العالمة الإنجليزية الدكتورة مرجريت برنبريدج، وغيرهم كثير.

أنصحك بقراءة كتاب (ركائز الإيمان) للدكتور محمد قطب -رحمه الله، وكتاب (رحلتي من الشك إلى الإيمان) لمصطفى محمود.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يقذف في قلبك الإيمان، وأن يذهب عنك وساوس الشيطان وخواطره إنه سميع مجيب.

مواد ذات صلة

الاستشارات