السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على جهودكم الخيرة.
أتمنى منكم استشارة نفسية وشرعية.
أنا متزوجة، عمري 32 سنة، عندي 4 أطفال.
زوجي لديه رغبة شديدة في الزواج الثاني، وأنا لا أقصر في حقه، ولكن لا أدعي الكمال، وعذره أنه لا يستطيع الصبر أثناء العذر الشرعي، خطب مرتين، الأولى أثناء نفاسي، والأخيرة في فترة إجهاضي بالحمل، كنت في أشد احتياجي النفسي له، ولكن لم أجده بالقرب مني، يعاملني أثناء الدورة أو النفاس، معاملة سيئة، لا يكلمني، لا يقترب مني أبدا، حتى بالابتسامة الطيبة يبخل بها علي، ولكن في الأوقات العادية جيد التصرف والمعاملة معي.
ظروفه المادية ليست جيدة، نسكن في شقة صغيرة غرفتين وصالة، أولادي ينامون في غرفة الجلوس، وكذلك عدم اهتمامه بأطفاله نفسيا ومتابعتهم، لا يقصر على نفسه بالمتعة، يسافر للخارج بمبالغ كبيرة، وعندما نطلبه أن يرفهنا يتحجج أنه لا مال عنده.
سمحت له بالزواج، ولكن بشرط توفير مسكن جيد لي ولأطفالي، مصروف جيد، العدل بين زوجته وأطفاله، والاهتمام بهم، إسكان الزوجة بعيدا عنا، اتقاء للمشكلات، انزعج من شرط المنزل، وقال ليست لدية مادة جيدة، ولا بد أن أصبر من أجل إسعاده، ويجب عدم الضيق واحترام رغبته في الزواج ومساعدته، وقلب الأمر علي، وأنني أدفعه بشرطي هذا للذهاب للحرام.
وحتى مشاعري صادرها، وأنه ليس من حقي الضيق أبدا، لأنه لم يفعل حراما، أنا لم أعترض على أمر زواجه، واحتسبت الأمر عند الله أن يأجرني في مصيبتي، لكن شرطت المنزل الجيد للسكن، ولكنه هجرني في الكلام، والمعاملة الجيدة، والفراش، وأنا لم أرتكب جرما.
أخيرا: هو يعاني من السكري من النوع الثاني، وآلام شديدة بالظهر تنتابه بين فترة وأخرى، ولكن دائما يكرر رغبته الجنسية الشديدة.
سؤالي: هل علي ذنب بشرطي توفير المنزل؟ وهل بشرطي أدفعه للحرام؟
وهل معاملته لي بهذه الطريقة جائزة؟ وما هو التصرف الصحيح معه لتفادي المشاكل؛ لأنني لا أحب الجو المشحون في المنزل؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل ناجح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك – أختي الفاضلة – في صبرك على أذى زوجك وعدم اعتراضك على أمر زواجه بالثانية, بل واحتسابك الأجر عند الله تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}.
تعلمين – أختي العزيزة – أنه يحق للزوج أن يجمع بين نساء أربع شريطة أن يكون مستطيعا قادرا على القيام بحقوقهن، ولم يخف الجور في القسمة بين الزوجات في النفقة والمبيت, وهو في ذلك مأجور مشكور إذا نوى من التعدد مصالح شرعية نحو تكثير النسل، وكمال العفة في الفرج، وكمال الغض في البصر لمن احتاج إلى ذلك؛ لقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من نساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم}، ويجب على الزوجة أن تسلم بهذا الحكم الشرعي، ولا تعترض, كما يستحب لها – وإن شعرت بالحزن، وذلك أمر طبيعي فطري – أن تعينه على ذلك إذا علمت منه القدرة المالية والجنسية والأخلاقية؛ بحيث تطمئن إلى عدل الزوج, وقد قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
ويحق للزوجة أن يكون لها سكن خاص منفرد معين مستقل عن أهل زوجها, وأن يكون آمنا لائقا بها وبأولادها، ومناسبا لحالها وحال زوجها, كما قال تعالى: {وعاشروهن بالمعروف}، أي بما جرى عليه العرف العام للناس, وكما قال تعالى في حق المطلقة: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن}، ويقاس على حق المطلقة في وجوب السكنى حق الزوجة الكائنة في عصمة الزوج من باب أولى؛ لما يحصل به من ضرورة حرية التصرف والاستتار عن العيون، وحق الاستمتاع، وحفظ المتاع.
ولا يحق للزوج إجبارها على السكن في بيت مشترك مع أهله ولا مع ضرتها ولا دفع أجرة السكن, وذلك إذا رغبت المرأة في الخصوصية والهدوء والسكن النفسي, وهو من مقاصد النكاح كما ورد في قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}، لاسيما إذا خافت الزوجة حين مساكنة أهل زوجها من الخلافات والمشكلات الزوجية والأسرية إلا أنه يستحب للزوجة التنازل برضاها عن حقها في السكن المستقل إذا كان زوجها محتاجا، أو كان أهله بحاجة إليه، ويمكن للزوج الجمع بين حق والديه في الإحسان إليهما وحق زوجته بالمعاشرة بالمعروف بأن يجعل لزوجته بيتا قريبا أو مجاورا أو مستقلا ملاصقا لبيت والديه منفصلا في مرافقه الأساسية من المطبخ، وبيت الخلاء، وغرفة النوم بأن يكون لها باب وقفل ونحوه.
والخلاصة أنه وجوابا على سؤالك:
1- لا يحق للزوج أن يعاشر ويعامل زوجته بصفة عامة بغير المعروف لقوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} كما سبق, ولقوله سبحانه: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}، وهو المعروف شرعا وعقلا واستحسنته الطبيعة السليمة بما جرى عليه العرف العام للناس، لاسيما إذا كانت زوجته مريضة أو حامل أو نفساء ونحوه من حالات الضعف والمرض.
2- كما يحق للزوجة الشعور بالحزن والغضب الطبيعي إذا تزوج عليها زوجها شريطة تهذيب الغيرة بالآداب والتعاليم الشرعية، بحيث لا يتعدى الإساءة لزوجها أو ضرتها بالقول أو الفعل.
3- وكذا لا يحق له – كما سبق – التزوج بثانية إذا كان فقيرا غير قادر على الوفاء باحتياجات الزوجتين الأساسية والضرورية في النفقة والسكنى, وكذا إذا كان ابتلاؤه بمرض السكري من الدرجة الثانية يعيقه عن القيام بواجباته المادية والجنسية والأخلاقية.
4- أوصيك – أختي الفاضلة – بلزوم الصبر والتقوى والإحسان في تعاملك مع الله ومع زوجك والآخرين {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}، {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا}، فالزمي طاعة الله وذكره وشكره وحسن عبادته، وكذا لزوم طاعة الزوج والصبر عليه وخدمته، واعلمي أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك, فانشغلي عن هذا الهم بهم الآخرة ورعاية حق الزوج والأولاد.
أسأل الله أن يفرج همك ويكشف غمك، وييسر أمرك، ويشرح صدرك، ويصلح زوجك وأولادك، ويرزقكم سعادة الدنيا والآخرة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.