السؤال
السلام عليكم
شكرا إخوتي الكرام لقبول استشارتي بهذا الموقع.
أنا فتاة بعمر 19سنة، أدرس بكلية الآداب، ومتفوقة وبالمرتبة الأولى، انتابني مؤخرا شعور نفسي، بأن كل من حولي يكرهني من زملائي وأصدقائي وحتى أساتذتي، وذلك للأحداث المتكررة التي جرحت مشاعري، ففي الأيام التي مضت أعددت بحثا مع صديقتي المقربة، وأعددته كله وحدي من الأول إلى الآخر، ولم تشارك معي بشيء قط، حتى تكاليف طباعة الأوراق أنا من سددها، وكان بحثا رائعا، أعجب به الأستاذ كثيرا.
عند عرضنا للبحث قمنا بتقسيمه لأجزاء، جزء أقرؤه أنا وجزء تقرؤه هي، وعند انتهائي أنا من جزئي نظر إلي الأستاذة بنظرة سلبية لم تعجبني، وشكرنا الاثنتين على العمل، وعند انتهاء صديقتي من جزئها ابتسم معها، وقال لها: ستصبحين خطيبة وأستاذة رائعة.
لم يشكرني أنا بينما في جزئي شكرنا الاثنتين، صدقوني هي لم تحضر للبحث، ولا تعلم ما يحتويه، عند القراءة لا تنطق الحركات سليمة، وكأنها تلميذة ابتدائي، وعند طرح الأستاذ سؤالا أنا من تجيب، بعد كل جهدي لقيت تهميشا من الأستاذ لم أتوقعه، لأني كنت أظن أن هذا الأستاذ رائع، وبعد انتهائنا ورجوعنا إلى أماكننا ينظر إليها فقط، ويمدحها، وكأني لست موجودة!
ذهل الجميع من تصرفه، وأثر في هذا السلوك بشدة، وكرهت هذا الأستاذ، وشعرت كذلك أن التلاميذ يكرهونني، ففي حصة الإعلام الآلي أثنت الأستاذة على عملي وأعجبها، فقالت إحدى الطالبات: (ههه) هذا ليس إبداعا، أستطيع فعل أحسن منه.
كذلك أجد أن صديقتي هذه التي أنجزت بحثا معي تأتي إلي من أجل نسخ الدروس والبحوث، وكذلك الزملاء من أجل الدروس.
كذلك هناك أستاذة تدرسنا فقه اللغة، عندما أجيب لا تستمع إلي، وعندما يأخذ آخرون إجابتي ويطرحونها تثني عليهم!
لا أدري ما الذي فعلته لهم؟! أنا أحب الخير للجميع، وعندما يكرهني الناس أخاف أن الخالق يكرهني، لأن من يحبه الله يكتب له القبول في الأرض.
أرجو الرد علي، فأنا أتعذب بإحساسي هذا، شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بلقيس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أتفهم مشاعرك - يا ابنتي- ومن الواضح بأنك إنسانة على خلق ودين، مجدة، لديها طموح وقدرات يفتقدها الكثيرون، وكون صديقاتك يلجأن إليك وقت الحاجة هذا أمر يجب أن يكون مصدر فخر واعتزاز لك، وهو يؤكد تفوقك عليهم.
أما حقيقة أنهم ينكرون معروفك بعد ذلك؛ فهذه من طباع بعض البشر، ولربما كان بسبب الغيرة والحسد، ولتعلمي بأن مجتمع الجامعة ليس كمجتمع المدرسة، فهو خليط من شرائح مختلفة من الناس ومن كل البيئات، ولا يمكننا تغيير تصرفاتهم، لكن يمكننا تغيير ردة فعلنا على هذه التصرفات، وذلك عن طريق تجاهلها والترفع عن الرد عليها.
لتعلمي بأن الأساتذة والمدرسين يعمدون أحيانا إلى التركيز في المديح للطالبة أو الطالب صاحب القدرات المحدودة، وهدفهم في ذلك تشجيعه ودفعه إلى الأمام، بينما يهملون الطالب المتفوق عن دون قصد، لأنهم يعتقدون أنه ليس بحاجة إلى ذلك، وبالطبع هذا التصرف ليس صحيحا، فالتشجيع يجب أن يوجه للجميع، لأن تأثيره الإيجابي كبير جدا على النوعين، فالطالب المتدني القدرات سيتحسن أداؤه، والمتفوق سيزداد تفوقا.
أنصحك بأن لا تدعي مثل هذه التصرفات -سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة- تحبط من عزيمتك، أو تقلل من ثقتك بنفسك، فلا بد من أن يأتي اليوم الذي تحظى فيه جهودك بالتقدير، وتجني ثمار قدراتك، بعون الله تعالى.
من خلال ما جاء في رسالتك- ابنتي- فهنالك احتمال لأن يكون لديك حالة تسمى ب(الشك المرضي)، وقد يكون تقبلك لهذا الكلام صعبا ومرفوضا، لكن من خلال رسالتك وما جاء فيها من تفاصيل وتعدد للمواقف، والأشخاص الذين تشعرين أنت بأنهم يسيئون الظن بك، ويعادونك أو لا يكنون لك الود، فإن هذا الاحتمال أي احتمال أن تكون الحالة عندك نفسية، ناتجة إما عن اضطراب في الشخصية يسمى: (الشخصية الظنانة أو الشكاكة)، أو عن مرض آخر يكون الشك فيه أحد الأعراض، هو احتمال عال جدا.
إن إصابتك بالشك المرضي هو أمر ليس لك يد به، أي أنه ليس خطأك، بمعنى لا يصح لومك في الموضوع، فهذا الأمر خارج عن إرادتك، لأن الأمراض النفسية قد تحدث عند أي إنسان، ويجب التعامل مع هذه الأمراض بدون حرج، وبنفس الطريقة التي يتم التعامل مع الأمراض العضوية، فالكثير منها قابل للعلاج - والحمد لله-.
المهم هو عمل تقييم جيد للحالة عندك، هل هي فقط حالة شكوك في نوايا الآخرين وظلمهم لك أم يرفقها هلاوس سمعية أو بصرية أم غير ذلك؟
إذا كانت الحالة عبارة عن شكوك فقط ولا يرفقها أي عرض آخر، فتعتبر نوعا من اضطرابات الشخصية، أما إذا كان يرافقها هلاوس سمعية أو بصرية، ففي هذه الحالة تكون ناتجة عن مرض ذهاني، وليس اضطرابا في الشخصية فقط.
نصيحتي لك- أيتها العزيزة- هي التقبل بأنه لربما لديك مشكلة نفسية تحتاج إلى تقييم، فلا عيب في ذلك، ثم مراجعة طبيبة نفسية مختصة من أجل عمل هذا التقييم، وتحديد هل لديك أعراض أخرى أم لا؟!
العلاج لكلتا الحالتين متوافر وفعال بإذن الله تعالى، لكن يجب تناوله تحت إشراف الطبيبة، لاختيار أفضل نوع لجسمك ولحالتك، والبدء به بشكل متدرج، بالإضافة إلى إشراك العلاج السلوكي المعرفي، والذي ستدربك على طريقته الطبيبة أو المعالجة المختصة، بإذن الله تعالى.
أتمنى لك دوام الصحة والعافية دائما.