أخشى من تدهور نفسي ودراستي بسبب أن عائلتي دائمة الشجار

0 130

السؤال

السلام عليكم

كيف أخرج مما أنا فيه؟ سئمت من نفسي وشخصيتي ووضعي، نعيش في بيت ضيق وعمارة شبه مهجورة، وعائلتنا دائمة الشجار بسبب مرض أخي العقلي، وأبي العصبي!

كان عندي أمل أني سأكون ناجحة وقوية، لكن بعد أن أنهيت دراستي وأنا ماكثة بالبيت، يتملكني العجز والخوف والنوم في علاقتي، دائما ضعيفة وخجولة، ولا أستطيع المواجهة أو الرفض، ولو كان ذلك الشيء في غير صالحي، ولا أعرف كيف أتعامل مع الناس، إما فظة أو خجولة، ولأني جميلة، يوجد الكثير من الخطاب، ولكن مجرد التفكير في بيتنا يجعلني أرفضهم، لا أريد شفقة، ولا أريد من يخرجني مما أنا فيه.

أريد أن أنجو بنفسي، لكن لم أعد أعرف السبيل لكي أحول كل الآلام والظروف القاسية إلى نجاح، وأكون قوية الشخصية وإنسانة ناجحة.

جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sa ma ra حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فواضح من خلال سؤالك – أختي الفاضلة – أنك فتاة وإن كنت طيبة القلب وعلى جانب طيب من الدين والخلق والعقل والمستوى الدراسي، إلا أنك فتاة حساسة وخجولة إلى حد قد يعيقك عن النجاح والإيجابية في جوانب كثيرة من حياتك، والتي تحتاج منك إلى الثقة بالنفس وقوة الشخصية والعزم والإرادة، وعدم المبالاة بكلام ونظرة الناس.

الأمر الذي تحتاجين معه إلى معرفة الوسائل التي يمكنك بها إلى تنمية ثقتك بنفسك، وذلك بمعرفة قيمتها، وهذه المعرفة ضرورة إلى تحقيق النجاح والإيجابية، والتي يجب أن تظهر في تصرفاتك ومواقفك، دون أي تردد أو قلق أو تهويل للأمور، أو الشعور بالضعف، ودون مبالغة أو كثير مبالاة بردود أفعال الناس.

هذا الأمر كما قد يكون موروثا أو فطريا فقد يمكن اكتسابه أيضا بالتربية الذاتية، كما قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، والفقه والتفقه) وإسناده حسن.

ربما يكون أساس هذه المشكلة – حفظك الله – ناتجا عما ذكرته من إحراجك وضيقك من وضع أهلك وبيتك، لا سيما حين يكون الوالد عصبيا لكثرة الضغوط النفسية عليه بسبب ظروفه المادية، ووضع ولده العقلي أو غير ذلك.

لذلك ربما تصدر منه بعض المواقف الجارحة والحادة والمؤذية، وهو أمر يحتاج منك إلى تفهم ورحمة ومراعاة، لا سيما مع ما تعلمينه من حق الوالدين في البر والإحسان، وربما يكون نتيجة شعورك بالإحراج لدى مقارنتك بينك وبين الآخرين، وهذه المقارنة الظالمة مخالفة لما أمر به المسلم من الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (أنظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه مسلم، وهذا الحديث يحث على الرضا بالقدر والتواضع وشكر المنعم سبحانه، وكذا الثقة بالنفس، قال الإمام ابن جرير عن الحديث: إنه جامع لأنواع من الخير.

ربما كانت هذه الآفة أيضا صادرة عن الشعور بالإحراج من نظرة الآخرين إليك بعين الاستهزاء والسخرية، وهو في الحقيقة اتهام للرب تعالى، قبل أن يكون انتقاصا لك، والعاقل لا يبالي بمثل هذا؛ كونه لا يضر ولا ينفع ولا يقدم ولا يؤخر، كما قال الإمام الشافعي: (رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك) أو نحو ذلك من الأسباب التي قد تعرفينها، أو تكون في مخزون عقلك الباطني اللاواعي، كأثر استصحاب بعض ذكريات الماضي السيئة أو نحو ذلك.

أقول ذلك، لأنه كما يقال في المثل: (إذا عرف السبب بطل العجب)، ولذلك فربما يمكن تبديد هذه الأوهام بإدراك أنك غير مسؤولة عن هذه الأسباب أصلا، مما لا يجيز لك أن تتحملي آثارها السلبية، كما أن هذه الأسباب لا ينبغي للعاقل أن يعتبرها معيقة عن النجاح، وإكمال مسيرة الحياة بما شرع الله في الإنتاج والإبداع والزواج أيضا؛ وذلك أن الفقر أو الجهل أو المرض كثيرا ما تدفع بذوي الحزم والإرادة إلى الشعور بالتحدي.

هذا الشعور الذي يدفع بصاحبه إلى تعزيز الثقة بالنفس، كون أن الشعور بالظلم والضعف يخلق لدى صاحبه الرغبة في التغيير والإصلاح، كما يفعل الآباء الذين لم يحصلوا على فرصة للتعليم بسبب الفقر إلى الاهتمام بأولادهم لتجاوز ما عانوه من مشكلات الفقر والجهل، كما أن كثيرا من المبدعين من العلماء والساسة ورجال المال والأعمال كانوا مبتلين بالعمى واليتم والفقر والأمثلة لا تخفى عليك.

كما أن الانزواء وراء هذه الأفكار السلبية لن يغير واقعك إلى الإيجابية بل العكس، لا تسأمي من نفسك وتحلي بالثقة بالله وبالنفس والتفاؤل والأمل، وفي الحديث عند مسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز...).

يجب عليك – أختي الكريمة – الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره حلوه ومره، والتسامح مع أخطاء الناس ومتاعب الحياة، وعدم المبالغة في الحساسية إلى درجة تضخيم الأمور وتهويلها، فلا تعطي الناس أكثر من أقدارهم، اقبلي التحدي وتحلي بالشجاعة واهتمي بنفسك ووسعي مداركك وابتعدي عن الأصدقاء السلبيين الذين يجنحون إلى التركيز على الانتقاد ويصيبون جلساءهم بالإحباط.

كما لم تمنعك ظروفك من إكمال دراستك فلا ينبغي لها أن تمنعك من إكمال دينك وسعادتك بالزواج الشرعي، وارمي بالماضي في عمق البحر، واشكري الله على نعمه عليك بالدراسة والعقل والجمال، وأن حظيت بتنافس الخطاب عليك، ولا تترددي في الزواج، ولا تتوهمي أن ظروف البيت والأسرة والفقر عائقة عنه شريطة أن يكون الزوج ممن ترضين دينه وخلقه، ومنها تحليه بخلق التواضع والعقل، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون بدينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني.

منطوق الحديث الدعوة إلى المبادرة بالزواج ممن نرضى بدينه وخلقه، وعدم التلكؤ والتردد وتقديم المبررات والمعاذير الوهمية أو الساذجة.

كما أن مفهوم الحديث يدل على أن هذا الزواج بهذا الشرط المهم يدرأ عن صاحبه والمجتمع الفتنة والفساد الكبير، فتأملي!

من ذلك أنه قد يكون عونا لك ولأسرتك في التخلص من أزماتهم المادية والنفسية، لاسيما إذا جمعت مع مشروع الزواج المبارك الوظيفة المناسبة.

لذا أوصيك بإكمال دراستك ومسيرة حياتك بكل ثقة بالله تعالى ثم بالنفس وتعزيز روح الإيجابية في نفسك وذلك بحسن الظن بالله والصبر على بلائه والشكر لنعمائه والرضا بقضائه وتنمية الإيمان وإرغام هوى النفس والأوهام والشيطان بالطاعة والذكر والدعاء والصحبة الطيبة وقراءة القرآن.

أسأل الله تعالى أن يفرج همك ويغير حالك إلى أحسن ويقوي عزيمتك وإرادتك ويلهمك الرشد والصواب والتوفيق والسداد؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مواد ذات صلة

الاستشارات