حائرة بين تأخير الزواج أو إكمال الدراسة والعلم؛ فما رأيكم؟

0 241

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أحب الدراسة كثيرا, والآن أدرس تخصصا لم أكن أرغب في دراسته, وذلك لإرضاء والدي، أكملت التخصص ووصلت إلى السنة الخامسة, والمرحلة القادمة في التخصص هي مرحلة الدكتوراه, لكن طموحي هو دخول كلية الطب، لأنها رغبتي، وحتى أنفع مجتمعي وأمتي, وأسباب قلقي وتوتري أنني في سن الزواج، والخطاب يترددون على بيتنا, وأنا أرفض وأصر على إكمال دراستي التي اختارها والدي، ثم دراسة التخصص الذي أرغب فيه، ولا بأس عندي من قبول الزواج بعد سن الخامسة والعشرين في تقديري, وإن لم أنهي التخصص الثاني.

صرت أسمع من هنا وهناك من يقول لي هل سيمضي عمرك كله في الدراسة؟ أتريدين أن يفوتك القطار كفلانة وفلانة؟ وغيرها من العبارات التي تزعجني وتجعلني حائرة بين السير في طريق طموحي مع ما ذكرت دون الالتفات إلى مثل هذا, وبين مسايرة ما يقال لي، وأقصد قبول أمر الزواج والتفريط في طموحي.

أرشدوني، فأنا في حيرة، وحيرتي أقلقت مضجعي وأفقدتني الراحة، بالرغم من أن المستقبل كله بيد الله تعالى، وما يفعله الإنسان لا يزيد عن كونه آخذا بالأسباب وتحقيقا للتوكل، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ علياء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وزادك علما نافعا وعملا صالحا، ورزقك التوفيق والسداد في دراستك وحياتك عامة، وهداك لما فيه الخير والصلاح.

أوصيك أولا: بالدعاء والاستخارة لله تعالى، واعلمي أن الجمع بين المصالح كلها ودرء المفاسد كلها هو الواجب شرعا وعقلا, إذ الشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق المصالح أو تكميلها، ودرء المفاسد أو تقليلها، وعليه, فإذا أمكنك الجمع بين إكمال الدراسة والزواج، فهو الواجب لما فيهما من صلاح وكمال دينك ودنياك ومصلحتك ومصلحة مجتمعك.

وتبقى المشكلة فيما إذا لم يمكن الجمع بين المصلحتين, بحيث أنه إذا تحقق أحدها ضاع الآخر ولا بد, والواجب عند التزاحم والتعارض بين المصالح والمفاسد إعمال قاعدة: (ارتكاب أعلى المصلحتين ودرء أعظم المفسدتين)، كما تقرر في علم القواعد الفقهية, وهي قواعد لا تحاكم فروع الفقه فحسب, ولكن الحياة عامة، ويتفرع عن هذا الفقه, فقه ما يسمى بـ فقه الأولويات, وذلك بمعرفة أي الأمرين أولى عندك, حيث يجب معرفة مراتب الأعمال، وتقديم الأهم على المهم, وذلك عند التعارض بينهما كما سبق.

إلا أنه حيث كثيرا ما يمكن واقعا التفاهم بين الزوجين في التوفيق بين الزواج والدراسة الجامعية، وذلك بإكمال الدراسة قبل أو أثناء الزواج أو بعده على أسوأ تقدير، كما يحصل أو تفعل كثيرات, وذلك بالتفاهم على تخفيف الخدمة أصلا أو بتوفير خادمة مثلا, أو معونة أحد أفراد الأسرة من الطرفين, أو عدم الاستعجال في إنجاب الأولاد أصلا، أو تقليلهم ما أمكن, ونحو ذلك من وسائل وأساليب وسبل الجمع بين المصلحتين.

فالواجب عليك ترتيب أولوياتك حيث تسألين نفسك، أي المصلحتين أولى في حقك استعجال الزواج أو إكمال الدراسة؟ هذا من حيث التأصيل العلمي العام ليرجع الأمر إليك في تنزيله وتطبيقه على واقع مسألتك.

كما أن من مرجحات إكمال الدراسة وتأخير الزواج عند التعارض بينهما في الظاهر، وأن تكون المرأة قد حظيت بمزايا جميلة من أدب وعلم ونسب وأخلاق وجمال ودين, ولا تخشين نفور الأزواج عنك, أو فوات فرصة الزواج, وتعلمين من نفسك عدم الرغبة العارمة والكبيرة فيه، بحيث لا تخشين العنت والمشقة في تأخيره.

فالذي أشير عليك به والعلم عند الله تعالى إكمال الدراسة الجامعية أولا، وتحصيل الشهادات العليا فيه, لا سيما بعد توفر النية الحسنة والذكاء والرغبة والالتزام بالدين والأخلاق، ومنه الحجاب الإسلامي، وفي هذا الاختيار مصالح كبيرة دينية ودنيوية لا تخفى, لا سيما ما يكتنف ويشتمل عليه علم الطب من مصالح حفظ الأرواح والأبدان, فهو أفضل العلوم بعد العلم بالشرع كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: (إذا حسنت النية), ولا أبلغ في الدلالة على ذلك من قوله تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}.

وأما إن كان ولا بد من أحدهما بحيث لم يمكن الجمع بينهما مطلقا، وكانت رغبتك في الزواج ملحة, ومخاوفك من فواته ظاهرة, فلا شك أن الزواج مقدم على الدراسة، اعتبارا بتقديم أعلى المصلحتين، ودفع أعظم المفسدتين, حيث في الزواج تقديم مصلحة العفة وغض البصر وإحصان الفرج, وهي مقدمة على مصالح إكمال الدراسة عندئذ فقط.

لكني على تفهمي لرسالتك أشير عليك بإكمال الدراسة لإمكانية الجمع بينه وبين الزواج، إما أثناء الدراسة أو بعده، إلا إن علمت من حالك العكس, وقد سبق أنك الأولى بتقدير وتقرير الأمر.

أسأل الله تعالى أن يوفقك ويسددك ويعينك ويفرج همك ويسعدك في الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات