السؤال
السلام عليكم
كنت قد بعثت لكم استشارة برقم (2334635)، وشكرا جزيلا لكم للإجابة الجميلة والشافية التي أراحتنا.
من أجل توضيح القصة, أنا بعمر 22 سنة -والحمد لله- حافظ لكتاب الله تعالى، ومعي إجازة فيه، وأبحث عن عمل حاليا، وهي بعمر18-19 سنة، وحافظة لكتب الله، وعلى وشك إنهاء دراستها الثانوية ودخول الجامعة، وهناك على الأقل ثلاثة شهور كي أتقدم لها من والديها.
هل يمكن للشابة أن تبعث لي صورتها كي أراها؟ لأنني أعرف أن من حق الشاب إن أراد أن يخطب فتاة أن يراها بعلمها أو بغير علمها، كي يرى ما يدعوه لنكاحها، ويجب أن يغلب ظنه موافقتها، وهو كذلك، فقد قبلت بي، وهل يمكنني أن أبعث لها صورتي بالمثل؟ علما أنها تضع الحجاب في الصورة.
هل يمكنها أن ترفض أي خاطب يأتيها لأنها متيقنة أنها تريدني وأنا متيقن أيضا؟ ونحن الاثنان متأكدان من دين وأخلاق وعفة بعضنا، وقد عزمنا على الخطبة، وإخبار والدينا عندما يحين الوقت، وقد قطعنا التواصل بيننا إلى حين يحين الوقت، كما أرشدتمونا في الاستشارة السابقة.
قررنا أن تكون الخطبة أربعة أعوام تقريبا نظرا لأن الفتاة تريد الدراسة في الجامعة لمدة أربع سنوات، وأريد أن أريحها ولا أضغط عليها، وهذا الأمر سيكون بموافقة والدينا في المستقبل.
ما هو المباح لنا من كلام وغيره خلال فترة الخطوبة؟ علما أننا من بلدين مختلفين، فهل نستطيع التحدث على الهاتف مثلا ضمن حدود الأدب والشرع؟ وما هو المباح لنا؟ وهل يمكنني عندما أزورها في بلدها أن نخرج مع بعضنا مع وجود محرم وهو أخوها؟
شكرا لتعاونكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الفقير إلى الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك –أخي الفاضل– حفظك لكتابه الكريم, وزادك علما نافعا, وعملا صالحا, ورزقا واسعا, ورزقك الزوجة الصالحة التي تعينك في أمر دينك ودنياك.. آمين.
لقد دلت النصوص الشرعية على تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية بشهوة؛ كون ذلك ذريعة لفاحشة الزنا, وقد حرم الله المقدمات المفضية لهذه الغاية، قال تعالى : (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) ومن ذلك إطلاق البصر, قال تعالى: (قل لمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) أي أطهر للنفس وأصون للعرض.
استثنى الشرع من ذلك النظر للحاجة الشديدة والضرورة، كنظر الطبيب والشاهد والمعامل والخاطب بقدر الحاجة، لقاعدة (الضرورات تقدر بقدرها)، ومما دل على جواز نظر الخاطب إلى مخطوبته, قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم لرجل تزوج امرأة من الأنصار: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا. وقال في حديث آخر للمغيرة بن شعبة: (فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) رواه الدارقطني وابن ماجة وحسنه الألباني.
أما حد المنظور إليه منها فمذهب جمهور الفقهاء هو إباحة النظر إلى الوجه والكفين فحسب، كون الوجه مجمع الجمال, والكفين علامة النعومة، وله أن يردد النظر إليها ويتأمل محاسنها عند الحاجة للمصلحة؛ لما ورد في الصحيحين من نظر النبي صلى الله عليه وسلم للواهبة نفسها له أنه (صعد النظر إليها وصوبه).
كما يجوز ذلك ولو بدون إذنها وعلمها عند جمهور الفقهاء؛ بدليل ما ورد في سنن أبي داود وصححه الألباني من حديث جابر قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها, حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها), وهو يدل على جواز النظر إليها أيضا، وهي في ثياب المهنة بما هو زائد قليلا عن الوجه والكفين، كما ذكره بعضهم كشيء من الشعر والساعد والقدمين إذا احتاج.
يجوز أن يبعث امرأة لتصف له ما لا يستفيد بنظره؛ بدليل ما صح عند أحمد من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث امرأة تنظر إلى امرأة أراد أن يتزوجها فقال: شمي عوارضها وانظري إلى عرقوبيها.
الخاطبان أجنبيان عن بعضهما، فيحرم عليهما كل ما يحرم على غيرهما، حتى يتم العقد كتحريم الخلوة والملامسة بينهما ونحوها.
أما الكلام بينهما فيجوز أن يكون على الهاتف ومباشرة أيضا عند الحاجة, لكن في حدود الشرع والأدب، فيما يتعلق بمصالح الزواج، كترتيب أمور الزواج والبيت, مع وجوب تجنب تبادل عبارات الغزل والخضوع في القول ونحوها، مما يخالف الحياء والحشمة، ويجوز الخروج معها عند وجود المحرم إذا لم توجد بينهما خلوة بناء على أصل الإباحة.
أما بخصوص النظر إلى المخطوبة عبر الصورة الشمسية, فهو وإن كان جائزا إلا أنه يجب التنبيه أنه يحصل به التقريب فقط لا التحقيق, كما قد يدخله (الزيادة والنقصان) وذلك في بيان زيادة مستوى الجمال أو نقصه لما لا يخفى من حال (الصورة الشمسية), وهو جائز بثلاثة شروط, وهي: أن يقصد الزواج منها لا مجرد الاستمتاع، وأن يغلب على ظنه قبولها وولي أمرها للخطبة, وأن يرجع إليها صورتها بعد الحاجة. بناء على ما سبق أصل وجوب غض البصر إلا للحاجة الشديدة وبقدرها فحسب.
الأحاديث السابقة المجيزة لنظر الخاطب إلى مخطوبته تدل على جواز العكس في نظر المخطوبة إلى خطيبها أيضا، لظاهر الأدلة, وعموم المقصد الشرعي والمصلحة.
لا تعتبر الخطبة ملزمة لأحد الطرفين, ولو بعد تمامها, ذلك لأن الخطبة مجرد وعد بالزواج فحسب, ومعلوم أن الوعود بالعقود في الأصل غير ملزمة عند جمهور الفقهاء لاسيما إذا توفرت الأعذار والمبررات, بخلاف العقد فله حكم الزواج فهو ملزم اتفاقا. وعليه فلا مانع للخاطب أن يفسخ الخطبة إذا رأى امرأة أخرى تعجبه في دينها أو خلقها أو جمالها أو نحو ذلك من المصالح الشرعية, كما يجوز للمخطوبة مثل ذلك.
إلا أنه يحرم على الرجل أن يخطب خطيبة غيره إلا أن يدعى للخطبة؛ لما في ذلك من اعتداء وذريعة للنزاع لما صح عند البخاري قال صلى الله عليه وسلم : (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له).
أوصيك – أخي الحبيب – بالمبادرة إلى الزواج ما أمكن لتحقيق مصالحه الشرعية لاسيما في مثل هذا الزمان حيث انتشار الفتن والشهوات المحرمات (فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) متفق عليه.
كما أوصيك بالثبات على الدين وطلب العلم والعمل الصالح والعفة والاهتمام بالدراسة والتميز فيها ولزوم الذكر وقراءة القرآن والصحبة الصالحة.
وفقك الله لكل خير, ورزقك سعادة الدنيا والآخرة. وبالله التوفيق.