السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أعلم من أين ابدأ، فكلما هممت بفتح الموضوع أجد نفسي فارغا ومحتارا، لا أعلم ماذا أكتب، فأنا أحس بالحزن الشديد، ولا أملك الثقة بنفسي، أحس بالأسف في كل لحظة، ويمكنني كتابة مجلدات بتلك المشاعر، أشعر بالدناءة والذنب وقلة الحيلة، وتقلب المزاج الغير مبرر، أفضل الانطواء بعيدا عن الناس، وأشعر بالصعوبة حينما أتواجد معهم، أحس بصعوبة بالغة وبالغة جدا، لدرجة الاكتئاب الشديد والبكاء بعدها.
قواي خاوية أمام ما يحدث لي، أريد الجلوس في الغرفة والاستلقاء على السرير طوال اليوم، فأنا لا أتناول الطعام، وطبيعة جسمي هزيلة، لا أرغب برؤية أحد، أحس بأن الأمر يؤلمني، أريد فقط الانزواء على نفسي، أحس بأنني تعيس، وأستيقظ كل يوم وأنا متكاسل، وناقم، ومكتئب، ولا رغبة لي في الحياة، أنا لا أريد فعل هذا، لدرجة الرغبة بالبكاء، ومن ثم أعود إلى السرير.
لا أريد الذهاب إلى عملي، وفكرت كثيرا بحذف هذا الفصل، أنا في المستوى الثالث الآن، علما أنني كنت أعاني الأعراض نفسها على مدار الفصول السابقة، لكنني لا أستطيع التحمل، وأشعر بأن الأمور تتفاقم، قدراتي في الاختبارات جيدة، ومعدلي (A+)، إلا أنني لا أستطيع المذاكرة أبدا، لدي علم وإدراك بأنها قدراتي جيدة، ولكن لا أستطيع المذاكرة كبقية الطلاب، وهذا الأمر يشعرني بالإحباط والحزن والفراغ بشكل كبير، ولدي رغبة في الهروب من ذاتي، فكلما هممت بالمذاكرة لا أستطيع، وتراودني مشاعر الحزن.
أعاني من صعوبة بالغة جدا في بدء الأشياء، فأنا عاجز عن البدء بأي أمر، أشعر بأنني معدوم ومتعب، أفكر دائما في كيفية الحياة وأهميتها، وما هي الغاية من كل هذا، ولماذا أهرب دائما من كل شيء، حتى من الأشخاص المقربين أهرب منهم دائما.
نومي ثقيل وطويل جدا منذ ولدت، ولا أعاني أي اضطرابات النوم، وفي الوقت الحالي صرت أنام اليوم كله، فبعد العودة من الجامعة أنام حتى فجر اليوم الثاني، لا أستطيع ترك النوم؛ لأنني أحس بالتعب طوال الوقت، وقد أنام في أي مكان ودون مقدمات، ولا أعلم لماذا؟
تمر علي أيام غريبة، أستنكر بها نفسي، أكون مفعما بالحياة والحماس، ويكون لدي اندفاع ورغبة، ولكن سرعان ما يتغير الحال وأعود للكآبة، وأحيانا أعيش أياما طبيعية خالية من أي شائبة.
مللت نفسي ولا أستطيع التحمل، ولا أستطيع إكمال علاقتي مع من أحب، لأنني مكتئب بطبيعة الحال، وفي بعض الأيام لا أقوى على مقابلة ومحادثة أحد، لا أستطيع التواجد بشكل دائم، كل ما يمكنني فعله هو الجلوس بغرفتي مع أفكاري الحزينة والبائسة، فقدت قدرتي على الاستمتاع، أصبحت كسولا إلى درجة العفن.
والجانب الروحاني لدي متكسر ومثقوب، تمر به الريح، فهو مهجور تماما، أنا غير مؤمن في أي شيء، ولا أذكر متى صليت بحياتي، وأنا آسف لما أقول، ومؤمنة بكوني زنديقة!! حاولت السيطرة على تقلباتي، وعلى رغبات الموت، والاكتئاب، والوسواس القهري، وعادة نتف الشعر، ونوبات الهلع والرهاب، دون فائدة، كل شيء ينهار أمامي حتى نفسي.
أتمنى لو كنت رجلا كي أذهب إلى العيادة النفسية بنفسي، وعذرا على طريقتي الغربية في الكتابة، حاولت الحد منها قدر المستطاع كي يسهل فهمي، والتحدث بصيغة المذكر، والتي يجوز التحدث بها للجنسين، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
سن 19 سنة هو سن المراهقة، ويكون هناك كثير من الصراعات النفسية داخل الشخص، يكون هناك كثير من القلق والتوتر والأسئلة المستمرة عن كل شيء، عن كل هذه الحياة، عن العلاقات مع الآخر، تأخذ أهمية خاصة عند الشخص، وإذا فشل في عمل صداقات فإنها تؤثر عليه تأثيرا مباشرا.
لم كل هذا التشاؤم، لا بد أن يكون هناك ضوء في نهاية النفق، هوني عليك -يا أختي الكريمة-، وأرى أن تحاولي مقابلة شخص لمساعدتك، وبالذات طبيبا نفسيا، ولا يجب أن تكوني فتى حتى يمكنك مقابلة الطبيب النفسي، لا بد أن يكون في عائلتك شخص متفهم يمكنك اللجوء إليه لمساعدتك، ولأخذك لمقابلة طبيب نفسي للتحدث معه عما يجول في خاطرك، وبعدها سوف يقوم بتقييم الوضع وما هي المشكلة الرئيسية، هل هي قلق وتوتر، هل هو اكتئاب نفسي، هل هي مرحلة من مراحل المراهقة تمرين بها، ولكل هذا علاجه إما أن يكون علاج دوائي أو علاج نفسي.
فلا بد أن تقابلي طبيبا نفسيا، حاولي مع أحد الأهل أن يقوم بمساعدتك إلى مقابلة طبيب نفسي.
وفقك الله وسدد خطاك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة: د. عبد العزيز أحمد عمر .. استشاري الطب النفسي وطب الإدمان.
تليها إجابة: الشيخ: عمار ناشر مستشار العلاقات الأسرية والتربوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بارك الله فيك، وأشكرك على إدراكك بالخلل النفسي الذي تعانينه -عافاك الله-، ولا شك أن حرصك على توفر الحل للمشكلة هو الطريق الصحيح إلى تصحيح الأخطاء، شريطة أن يكون متوازنا بعيدا عن الوساوس الشيطانية والهواجس النفسية المؤلمة والمؤذية, كما أنصحك بضرورة الحرص على النفور والكراهية والمدافعة ما أمكن لهذه الوساوس الشيطانية، وضرورة الإعراض عنها، والتغافل والتناسي لها، وعدم الاسترسال معها، قال تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}، وقال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}، وضرورة مجاهدة نفسك وترك عوامل ومظاهر الضعف والعزلة، وذلك بإكمال الدراسة شغلا للوقت فيما يعود عليك بالفائدة والنفع، وإرغاما للوساوس.
واعلمي أن المبالغة في هذه المشاعر غير المبررة عقلا –حفظك الله وعافاك- حالة مرضية معروفة، وعادة نسائية مدمرة، لصيقة غالبا بالمرأة، تشعر صاحبها بالضعف والعجز والرغبة في العزلة وغير ذلك من المشاعر والآثار السلبية النفسية، وربما الشيطانية، ينبغي أن تأخذ حجمها الحقيقي، حيث أنها مشاعر طبيعية ووقتية، لا سيما في مرحلة المراهقة، لا تلبث حتى تضمحل وتزول بعامل الزمن والمثابرة من جهتك, كما وأنك –بفضل الله– فتاة عاقلة ومتعلمة وناجحة ولم تتعمدي مجاوزة بعض الحدود العقلية والأخلاقية، قال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وقوله: {ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به}, وهي سجن نفسي يقيدك عن المضي قدما في حياتك وطريق نجاحك, كما هو واقعك في الرغبة في التوقف عن إكمال دراستك الجامعية، الأمر الذي ينبغي تداركه منعا من توسعه، فحرري نفسك من هذه الزنزانة المغلقة، واستمتعي بحياتك، وتنفسي نسيم الحرية وفق طاعة رب البرية, ولا تكبلي سعادتك بأسوار عالية من شعور يدمرك من داخلك بلا موجب شرعي وواقعي.
تعلمين أن الكمال لله تعالى, وأن الأصل في الإنسان الابتلاء والضعف والعجز والخطأ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كل بني آدم خطاء, وخير الخطائين التوابون), فعلينا أن نجتهد في التغلب على جوانب الضعف فينا، ولا نستصحب مشاعر الذنب وجلد الذات، فإنها كما تعلمين لن تغير من الواقع شيئا, بل العكس، فتحلي بالثقة بالنفس والإيمان بقيمتك وقدراتك، وحولي مشاعرك السلبية إلى طاقة بناءة لتحسين حياتك، وانطلقي بحيوية وثقة وشجاعة في مسيرة الحياة الناجحة والسعيدة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف... احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا, ولكن قل قدر الله وما شاء فعل, فإن (لو) تفتح عمل الشيطان)، [رواه مسلم].
لزوم الصحبة الطيبة التي تحظى بالصدق والوفاء معك والحرص على مصلحتك، واحذري أن تقارني نفسك بغيرك, أو تستشيري وتجالسي الذين يكثرون اللوم والنقد، كون ذلك يزيدك مبالغة في الإحساس بالذنب، وعدم الرضا عن النفس, وفي الحديث: (المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل).
الصبر على هذا البلاء, واحتساب الثواب وحسن الجزاء يوم اللقاء, والرضا بالقضاء مع حسن الظن بالله، والثقة بالنفس، وصدق الالتجاء إلى رب الأرض والسماء بخالص الدعاء، فهو القائل سبحانه: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}، وأبشري بالفرج القريب من الله تعالى السميع المجيب سبحانه.
تنمية الإيمان بطلب العلم النافع، والعمل الصالح، وقراءة الكتب الإيمانية والعلمية والوعظية، واستماع الخطب والمحاضرات والبرامج العلمية النافعة والمفيدة، والإكثار من ذكر الله تعالى، لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأعمال اليوم والليلة، وقراءة القرآن، لا سيما سورة البقرة، وسور الإخلاص، والمعوذتين، لقوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}، ذلك لأن الغفلة عن الله تعالى وذكره، وعن الدار الآخرة، والعمل الصالح، مما يقسي القلب، ويضيق الصدر، ويزيد من الهموم والأحزان، {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}.
كما أوصيك بمراجعة الطبيب النفسي ما أمكن، فإن العلاج الدوائي يهيء للعلاج السلوكي -بإذن الله- وفي الحديث: (تداووا عباد الله فإن الله ما أنزل داء إلا جعل له دواء)، مع الاهتمام بمزاولة الرياضة البدنية والترويح عن النفس.
أسأل الله أن يفرج همك، ويشرح صدرك، ويربط على قلبك، ويثبتك على دينك، ويصرف عنك وساوس النفس الأمارة بالسوء والهوى والشيطان الرجيم، إنه سميع عليم.