السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
وبعد: فأنا شاب من موريتانيا، عمري 22 سنة، أعاني من إحساس بالفشل؛ لأنني لم أكمل دراستي لأنني لم أدرس عن قناعة، ففي مرحلة الإعدادية كنت أتجاوز لكنني كنت أتجاوز بالغش من الأصدقاء! وقد أثر ذلك علي في المرحلة الأخيرة عندما كنت أدرس السنة الخامسة ثانوي، أحسست أنني لا يمكنني مواصلة الدراسة، فقلت لوالدي إنني سأنتهي من الدراسة وسأذهب إلى المحضرة لدراسة العلوم الشرعية مثل القرآن الكريم والفقه إلى آخره من العلوم الشرعية الأخرى، وهذا هو الخيار الوحيد الذي بقي أمامي، ولم يمانع والدي من هذه الفكرة؛ فذهبت إلى هناك ودرست شيئا من القرآن الكريم وبعضا من الفقه.
وأنا الآن أعمل في مقهى إنترنت، لكنني لست مرتاحا وأحس أنني فاشل في حياتي، وأنه يجب علي أن أموت، ومواصلة الحياة بالنسبة لي شيء مستحيل، ولكنني متمكن من عقيدتي والحمد لله، وأعلم أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأطلب منكم المساعدة.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ محمد عبد الرحمن حفظه الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإن كثيرا من العظماء تعثروا في بداية حياتهم ثم تغلبوا على عوامل الفشل بتوفيق الله ثم بقوة العزيمة وتكرار المحاولة، ومنهم من لم يكمل دراسته، ومنهم من بدأ طلب العلم متأخرا كالعز بن عبد السلام سلطان العلماء، وابن القاسم من تلاميذ الإمام مالك وأحد أصحاب الفضل في نشر المذهب.
ولا شك أن الخيار الأخير هو الأفضل، فأشرف العلوم هو ما أتصل بكتاب الله والتفقه في الدين، ولا يزال المرء عالما ما طلب العلم، فإن ظن أنه علم فقد جهل، وطلب العلم أفضل من كل نافلة، وإذا كنت متمكنا من عقيدتك وتعلم حقارة الدنيا، فلا تحزن على رياشها ورتبها.
وتذكر أن نعم الله مقسمة، والسعيد هو الذي يرضى بما قسمه الله، ويعرف نعم الله ليؤدي شكرها، وانظر ـ يا عبد الله ـ إلى من أسفل منك ولا تنظر إلى من هو فوقك في أمور الدنيا، واجتهد في أمر الدين في لحاق الصالحين، وسر على خطى رسول الله الأمين وصحبه الغر الميامين، (( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ))[طه:131]، ورزق ربك الذي أعطاك من الدين والعافية والصلاح خير مما يجمعون.
وأرجو أن تطرد عن نفسك وساوس الشر، وتعوذ بالله من الشيطان وهمزه ونفخه ونفثه، واعلم أن هذا العدو يريد أن يحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله، واعلم أن قاتل النفس آثم ومعترض على أقدار الله، والمسلم لا يتمنى الموت لضر نزل به أو لخير تأخر عليه لكنه يسأل الله أن يحييه إذا كانت الحياة خيرا له، وأن يقبضه إذا كانت الوفاة خيرا له، واعلم أن خير الناس من طال عمره وحسن عمله.
ولا شك أن السعادة لا تنال بالمناصب ولا بالأموال ولا بكثرة الأولاد، ولكن السعيد هو الذي يطيع ربه، ويعمل من أجل يوم الوعيد، واعلم أن للحسنة ضياءا في الوجه وانشراحا في الصدر ومحبة في قلوب الخلق، وأن للسيئة ظلمة في الوجه وضيقا في الصدر وبغضة في قلوب الخلق، فاحرص على طاعة الله، وأكثر من ذكرها وابدأ حياتك بأمل جديد وبثقة في الله الوهاب الحميد.
وأنت -ولله الحمد- شاب، وإنما العمل في الشباب، وكما قال ابن الجوزي في وصيته لولده: "فانتبه لنفسك -يا بني- واندم على ما مضى من التفريط، واسق غصنك ما دامت فيه رطوبة، واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة، واسأل الله التوفيق فإنه لا خاذل لمن وفقه سبحانه".
واحمد لله على ما أنت فيه، واعلم أنه لا راحة للمؤمن حتى يلقى الله، واجتهد في بذل الأسباب وطلب العمل المناسب وعلى المرء أن يسعى، وليس عليه إدراك النجاح؛ لأن ذلك بيد الله وما عند الله لا ينال إلا بطاعته.
والله ولي التوفيق.