يئست من الحياة فأقبلت على الانتحار، فبماذا تنصحوني؟

0 181

السؤال

السلام عليكم

شاب، عمري 18 عاما، ملتزم، وأصلي، وأتصدق، مشكلتي هي اليأس من الحياة، بدأت هذه المشكلة عندما مرضت بمرض القرنية المخروطية التي ليس لها علاج إلا توقف تدهور الحالة، عملت عمليتين جراحيتين لعيني، ولكنني أصبحت أرى العالم بصورة مخروطية، وفقدت حلمي في قيادة السيارة والسفر، بل وأصبت بمرض الصفار، ودخلت المستشفى وفيه تدهورت حالتي النفسية، وأقول لماذا أنا؟! وعندما خرجت تعرضت للضرب والسرقة، بل واستمر الأمر إلى فشلي في الدراسة، وضياع حلمي في دخول كلية الطب، مع أنني أكثر من الدعاء والصدقة ولكن الله لم يستجب لي فيئست والعياذ بالله.

أصبحت دائم البكاء والاكتئاب، ودائما أسأل نفسي لماذا أنا يا الله؟ لماذا يكرهني الله؟ فأنا لم أرتكب المعاصي ليحصل لي كل هذا، وأصبحت أقارن نفسي بأقربائي بنفس عمري، وأقول لماذا أنا يا الله، لماذا ينجحون وأنا أفشل؟ بل تدهورت حالتي وحاولت الانتحار عدة مرات، وأقول في نفسي إن أراد الله تعذيبي فسأدخل النار؛ لأن الله يكرهني، والشيء الوحيد الذي صمدت به هو لحظة دخولي المسجد وأراه فارغا من كل الناس.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مباركي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فما يحل بالإنسان يجري وفق قضاء الله وقدره، وكل أقدار الله فيها خير للإنسان ولكنه لا يدرك ذلك، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: والعبد لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربه، وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئا وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان عليا.

مهما كان البلاء في العبد فإن الله يريد أن ينظر مدى صبره، ألم تقرأ في قصة نبي الله أيوب وما حل به من البلاء ومع ذلك صبر حتى أتاه الفرج من ربه.

ظن بربك خيرا، فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله).

الانتحار ليس حلا بل هروب إلى عذاب محقق، فالمنتحر في النار كما ورد في الحديث.

قولك إنك تسأل نفسك لماذا الله يكرهك؟ كيف علمت أن الله يكرهك فالله لا يكره إلا العصاة، وعدم الإصابة بالبلاء ليست دليل المحبة، ألا ترى أن الكفار يعيشون عيشة رغدة، فهل ذلك دليل محبة الله لهم، أم أن ذلك استدراج وإملاء من الله لهم.

الابتلاء دليل المحبة وليس دليلا للكره، فقد ثبت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، وحذار أن تتسخط، وإلا فالجزاء من جنس العمل.

قد يكون ما أنت فيه من البلاء بداية المشوار للنجاح، فالنجاح لا يولد إلا من رحم المعاناة، والله تعالى لا يعجزه شيء، فأكثر من التضرع بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسله أن يشفيك ويعافيك فإنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.

لا تحكم على نفسك بالفشل فإن ذلك رسالة سلبية تكبلك عن الانطلاق، فإن كنت غير قادر على دخول تخصص الطب فهنالك تخصصات أخرى يمكنك أن تبدع فيها، ألا ترى أن كثيرا من فاقدي البصر مع إصرارهم تخصصوا في تخصصات نفع الله بها الأمة.

استمر في الدعاء ولا تنقطع، وتحين أوقات الإجابة كما بين الأذان والإقامة، والثلث الأخير من الليل، ويوم الأربعاء ما بين الظهر والعصر، وحين نزول المطر، واطلب الدعاء من والديك فدعوتهما مستجابة.

الصدقة من أسباب معالجة الأمراض، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (داووا مرضاكم بالصدقة) فاستمر بذلك.

من شروط استجابة الدعاء ألا تتعجل الإجابة يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يستجاب لأحدكم مالم يعجل، يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب لي).

اجعل من البلاء نقطة انطلاق نحو المستقبل، ولا تكبل نفسك فتبقى تدور في حلقة مفرغة، وتمثل قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئا فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع

الله جل في علاه لم يخلقنا ليعذبنا، ولا يريد سبحانه أن يعذب أحدا من خلقه فالله تعالى يقول: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ۚ وكان الله شاكرا عليما) والمعنى: (ما يفعل الله بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله، فإن الله سبحانه غني عمن سواه، وإنما يعذب العباد بذنوبهم).

عليك أن تعيد برمجة حياتك وفق حالتك الراهنة، وأن تعد الخطط للأهداف التي تريد أن تصل إليها، فنزول أي بلاء لا يعني التوقف عن التخطيط والعمل، ألا ترى أن من الناس من يغير في دراسته من تخصص لآخر وقد يصاب بحادث يعيقه عن العمل في مجال لكنه ينطلق إلى مجال آخر.

استغفر الله عن محاولة الانتحار، وابدأ حياة جديدة ملؤها الحيوية والنشاط، وانظر إلى الحياة بتفاؤل فالتشاؤم يضيق الصدر، ويحجب عن العينين الرؤية.

نسعد بتواصلك ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات