تركت الاستزادة من العلم بسبب خوفي من المسؤولية، فما نصيحتكم؟

0 38

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكركم لما تقدمونه من فائدة عالية لجميع المسلمين، وجزاكم الله خيرا.

أنا طبيبة -الحمد لله- وأصبت بمشكلة نفسية تعكر صفو حياتي المهنية، وأريد منكم مساعدتي لعلاجها -العلاج الأساسي هو العلاج السلوكي- فعلى قدر بساطتها إلا أنها تفسد حياتي.
 
منذ عشر سنوات -وقبل التخرج من الكلية- قرأت حديثا حول من يكتم العلم فإنه يلجم بلجام من نار، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشعر بأنني مسؤولة عن تبليغ أي معلومة جديدة لجميع من أعرف في مجالي، من أطباء أو غيرهم، وإلا لن يتقبل الله مني، وسيكون مصيري النار، ولن يبارك الله في أي مجهود أقوم به، حاولت الالتزام ولكنني وجدت مشقة عظيمة في ذلك، فكيف أبلغ الجميع بما أعلم حتى دون أن يستفسروا مني؟ كيف أقوم بتوزيع جميع الأوراق والملازم والمفكرات والتلخيصات التي قمت بعملها؟ فأعرضت عن طلب العلم، عدا الأمور البسيطة التي تساعدني على اجتياز الاختبارات دون تفوق.

أنا الآن أعمل، وتقدمت لاجتياز اختبارات شهادة عالية المستوى في تخصصي، وتولد لدي إحساس وارتباط شرطي، فإذا بدأت بالدراسة أعاني من الأعراض الجسدية، مثل: تسارع ضربات القلب، والاختناق، وشرود الذهن، وأتذكر بأن فلانة ربما لا تعلم هذه المعلومة، ويجب علي إخبارها، وتلك ربما تحتاج لهذا الكتاب، وأنا كتمته عنها، وفلانة ربما تريد أن تتقدم لنفس الشهادة ولا تعرف الطريق، ولن أنجح وأستفيد من مذاكرتي إلا إذا أخبرتهم بتفاصيل ما أفعل! ويضيع تركيزي وتضيع الحماسة، ولا أجني غير الفشل، دائما عندما أذاكر أشعر وكأنني أسرق أو أفعل أمرا محرما.

أخبروني: هل ما أشعر به بسبب الوسواس القهري؟ فأنا تعبت كثيرا وأحتاج إلى المساعدة! أرشدوني إلى معنى الحديث، حاولت البحث، وقرأت بأن المقصود به هو العلم الشرعي فقط، فهل هذا صحيح؟

حياتي أشبه بالجحيم عند المذاكرة، استفساري لكم: لو أنني ذاكرت ودخلت الامتحان ونجحت دون أن يعلم أحد الأطباء، فهل أنا مذنبة؟ فمن الأطباء من لا يحب الخير، ومنهم من يتسبب بالأذى، فما نصيحتكم؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول:

فإن الحديث الوارد في هذا الباب له ألفاظ متقاربة، وهي كما يأتي: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)، (من كتم علما ينتفع به)، (أيما رجل آتاه الله علما فكتمه)، (من كتم علما عن أهله)، (من بخل بعلم أوتيه)، (من كتم علما ينفع الله به في الدنيا).

من أهل العلم من حمل معنى هذا الحديث على العلم الشرعي، ومنهم من جعله أعم من ذلك، فيدخل فيه العلم الدنيوي.

أيا كان المقصود، فإن الوعيد يترتب على من تعين عليه البيان أو البلاغ، وليس كل حامل علم، بدليل أن بعضا من أهل العلم كان يسأل فلا يجيب، بل يحيل على غيره، وذلك ليس لجهله بالحكم، بل لأنه لم يتعين عليه ذلك، ولا يلزم طالب العلم كلما تعلم مسألة أو استفاد فائدة في علم الشريعة، أو في العلوم الدنيوية الأخرى، أن يذهب لزملائه ويخبرهم بذلك، بل إن جاءت المناسبة لذلك ذكرها لهم، وإلا شق ذلك عليه، والله تعالى قد رفع عنا المشقة والتكليف بما لا يطاق، فقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، ولما قال المؤمنون: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}، قال الله تعالى كما ورد في الحديث: (قد فعلت).

الفهم الخاطئ للنصوص آفة ابتلي بها بعض المتقدمين فضلا عن المتأخرين؛ ولذلك فقد أحسنت حين رجعت إلى أهل العلم والاختصاص ليبينوا لك المراد.

مارسي حياتك بشكل اعتيادي، وذاكري واطلعي، ولا يلزمك أنك كلما وجدت فائدة أوصلتها إلى زملائك، ولكن إن سئلت عنها فاذكري لهم ملخصها، ودليهم على مصادرها وهذا يكفي.

الشيطان الرجيم هو من يوسوس لك بهذه الأفكار الخاطئة، فهو يريد أن يثبطك عن هذا الطريق، فلا تصغي إلى وساوسه، ولا تسترسلي معها، واقطعي تلك الخواطر بالاستعاذة بالله منه، ويجب أن تنتصري في معركتك معه؛ لأنني أخشى أن يدخلك في دوامة الوسواس القهري.

لو كان يلزم كل طالب أن يعلم الزملاء ما تعلم، ما ظهرت ثمرة اجتهاد الطالب وتعبه وسهره، ولو كان يلزمه ذلك للزمه أثناء أداء الاختبارات إن سئل أن يجيبهم، وهنا يرد تساؤل أين معنى: (من غش فليس منا؟)، ولو كان هذا المفهوم صحيحا للزم المدرس إن سئل في قاعة الاختبارات أن يجيب الطلاب، وهنا تذهب ثمرة الاختبار، ولا يقول عاقل بهذا الكلام.

لا تأثمين إن كتمت ما تعلمت وحصلت من العلم أثناء المذاكرة؛ لأن ذلك ثمرة اجتهادك، ولا يلزمك أن تخبري أي زميل لا قبل الاختبار ولا بعده.

نسعد بتواصلك ونسأل الله لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات