السؤال
السلام عليكم..
أعاني من مشكلة هي عقدة حياتي التي تؤرقني، وهي خوفي من الارتباط أو الالتزام أو الزواج، ولا أعلم السبب؟
بداية أنا فتاة أبلغ الـ 25 من عمري، وإلى عمري هذا لم أرتبط بأي شاب بالمرة، ولم أجرب ككثير من الفتيات الارتباط غير الرسمي، ولو حتى الحديث مع الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم أفكر في هذا بالمرة، وأيضا تعاملاتي منذ الصغر كانت مقصورة على التعامل مع الفتيات فقط حتى في مراحل دراستي المختلفة في الجامعة والعمل، ففي الجامعة التي دخلتها كانت معظمها فتيات، ولم أحاول حتى أن أتحدث مع الشباب، وفي العمل الذي أعمل به معظم الذين يعملون به فتيات، فتعاملي مع الرجال شبه معدوم.
مشكلتي أنني عندما كبرت وتحديدا عندما بلغت العشرين بدأت مشكلتي، وهي الزواج، فأبي وأمي يرغبون أن أتزوج وأنا غير راغبة بدون سبب مقنع.
خطبت عدة مرات، وفي كل المرات كنت أخاف من الزواج، وأدخل في حالات نفسية واكتئاب وكره للحياة، وأتحول إلى شخص آخر غير طبيعي، وأمي وأبي تعبوا كثيرا بسببي، وكنت في كل مرة أفسخ الخطبة.
أمي دائما قلقة بشأني، ودائما ما كانت تخبرني أنها لن تعيش طوال عمرها، وتريد أن تطمئن علي.
وعندما بلغت الـ 25 توفيت أمي، عندها فقط أدركت ما كانت تخبرني به، أدركت فجأة أنني ضيعت على نفسي الزواج وأمي بجانبي، فقررت أن أعطي فرصة لمن يأتي لخطبتي لكي أطمئن أمي في قبرها، والآن هناك شخص جيد تقدم لخطبتي، وهو شخص جيد وذو أخلاق، ماذا أفعل لكي لا أدخل في هذه الحالة النفسية الغريبة؟
مع العلم أن مع كل خطبة خاطب كان دائما يتوقع مني أني بمجرد ما خطبت له فهذا معناه أنني وقعت في عشقه وغرامه، وأنني مع أول مكالمة سأبادله الغرام والعشق، وأشعر أن هذا جنون وغير منطقي، ويبدأ الخاطب بالغضب والتأفف، ولا يفهم أنها مجرد خطبة تقليدية وأننا يجب أن نتعرف على بعضنا البعض أكثر.
لماذا أخاف من الزواج؟ لماذا أشعر أن الزواج سيسلب مني حريتي، وأني فقط سأتزوج رجل ليتحكم بي ويمنعني من الخروج ويعطيني فقط الأوامر، ويبعدني عن أهلي وإخوتي وأني سأذهب مع رجل غريب، وأترك الأسرة التي أعرفها جيدا ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ om prto حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -ابنتي الكريمة- في الشبكة الإسلامية وردا على استشارتك أقول:
لعل من نعم الله عليك أن حياتك السابقة كانت في الجملة مع فتيات، ولم تدخلي في علاقة مع أي شاب كما تفعله الكثير من الفتيات ما يتسبب في بعض التشوهات في مسيرة حياتهن.
لعل الخوف الذي عندك من الزواج ناتج بسبب عدم إدراكك لبعض مقاصد الحياة، فحياة الأنثى تبدأ في وسط أسرتها، وتعيش معهم فترة من الزمن، ثم تفارقهم لتكمل مشوار حياتها مع شريك حياتها لتبني أسرة جديدة قائمة على التعاون والمحبة والتنشئة الحسنة للأولاد.
إن لك أسوة في حياة والدتك -رحمها الله-، فلقد قامت بالدور المنوط بها، ثم فارقت هذه الحياة، وهكذا كل الناس ذكورا وإناثا، ولقد شعرت حقا بما كانت تقصده أمك من حثك على الزواج.
الزواج ليس تقييدا لحرية المرأة، وليس إبعادها لها عن أهلها وأسرتها، وإنما هو حمل لمسئولية وتكليف جديد وعلاقات جديدة يجب على المرأة المسلمة أن تجتاز كل ذلك بنجاح.
الزواج سنة الله في خلقه، ولو ترك الناس ذلك لتوقفت الحياة، ولا يمكن أن تعيشي في سعادة بدون زواج؛ لأن ذلك مصادم للفطرة، فانظري لزميلاتك ولمن حولك، واحذري من مصادمة سنة الله.
أخشى أن يمضي بك العمر وأنت بهذا التفكير، وكلما أتى خاطب يرد أو تفسخ الخطوبة، ولا تنتبهي إلا وقد دخلت مرحلة لا يقبل بك الرجال، وحينها تندمين ولات ساعة مندم.
إن كثر رد الخطاب وفسخ الخطوبة تسامع الناس بذلك، وأثر ذلك على سمعتك سلبا ومن ثم يعرض الناس عنك.
الأفكار التي عندك خاطئة، ولعل بعضها من وساوس الشيطان الذي يغضبه ارتباط كل أنثى بذكر بطريقة شرعية فاستعيذي بالله منه ومن وساوسه كلما خطرت لك.
الزواج ليس تحكما في حياتك، وإنما هو أشبه بشركة تقوم على شريكين لكل واحد منهما دور معين في بنائها، ولكل شريك سلطة معينة، وكل ما يدور في هذه الشركة قائم على الود والمحبة والتعاون ألا ترين كيف تستقبلين أوامر مدير الإدارة التي تعملين فيها أو رئيس القسم برحابة صدر من أجل إنجاح العمل دون أن تقولي لماذا يأمرني أو يتصرف بحياتي، افعلي ولا تفعلي.
شرع الله الزواج لحكم بالغة منها سكن النفس كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ۚ إن في ذٰلك لآيات لقوم يتفكرون) ومن تلك الحكم استمرار الحياة وبقاء عقب الإنسان وذكره الجميل فلا ينبغي أن يعترض على حكمة الله وشرعه بأفكار مغلوطة فالله لا يمكن أن يشرع أمرا فيه مضرة للإنسان.
صحيح أن جدول الحياة يتغير رأسا على عقب بعد الارتباط، لكنه يعد تجديدا وكسرا للروتين الممل الذي اعتدته، إضافة إلى ما في الجدول الجديد من المتعة والسعادة التي لا يشعر بها إلا من عرف حقيقة الحياة والسر من وجودنا فيها.
عادة ما يكون للرسائل السلبية أثر سيء على حياتنا، فها أنت قد حشوت عقلك بتلك الرسائل السلبية فتبرمج عقلك وفقها، ونتج عنها أفكار أدت إلى رفض فكرة الزواج، فأتمنى -يا ابنتي الكريمة- أن تخرجي تلك الرسائل السيئة وأن تستبدليها برسائل إيجابية مثل: (الحياة بعد الزواج أجمل، لا قيمة للحياة بدون زواج، لا قيمة لأنثى بدون بيت وزوج وأولاد، الزواج شراكة وتعاون وسعادة .... إلخ.
اقرئي ما كتبه الكتاب عن إيجابيات الحياة الزوجية ولا تلتفتي لكتابة من كتب عنها بطريقة خاطئة.
احرصي أن يكون شريك حياتك صاحب دين وخلق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها وإن كرهها سرحها بإحسان.
استنصحي زميلاتك اللاتي تزوجن، واستفيدي من تجاربهن في الحياة، فما خاب من استشار وما ندم من استشار.
أنصحك أن ترقي نفسك صباحا ومساء وخاصة بسورتي المعوذتين والإخلاص وآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة وما تيسر من الأدعية المأثورة فالرقية نافعة بإذن الله.
لا ترفضي الخاطب الجديد لهذه الحجج الواهية إن كان صاحب دين وخلق، وتوفرت فيه بقية الصفات المطلوبة، وصلي صلاة الاستخارة وادعي بالدعاء المأثور وتوكل على الله فإن سارت الأمور بيسر وسهولة فذلك دليل أن الله اختاره ليكون زوجا لك وإن تعسرت فهذا يعني أن الله صرفه عنك.
فترة الخطوبة يتم فيها تعرف كل من الخطبين على الآخر، ومع ذلك تنمو أواصر المحبة وتعلق القلب فإن تواصل معك فكوني حكيمة في التصرف، وأفهميه أنك تخجلين كون هذه أول علاقة مع رجل في حياتك، وأن الأمور ستسير إلى الأفضل مع الأيام خاصة بعد كتابة عقد الزواج؛ لأن الله يقذف بالمحبة في القلوب مباشرة، وفي هذه الفترة تصيرين زوجة لا بد أن تتبادلي معه كلمات الحب والغزل.
أتمنى أن تستفيدي من الموجهات التي كتبتها لك، فإن صارت أمورك إلى خير فالحمد لله، وإن استجد أي جديد في حياتك فأتمنى أن تتواصلي معنا قبل أن تتخذي أي قرار حتى نعينك ببعض الأفكار.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يذهب ما عندك من الأفكار الخاطئة وأن يلهمك الرشد، ويرزقك الزوج الصالح الذي تسعدين معه في حياتك إنه سميع مجيب.