السؤال
السلام عليكم
أنا فتاة كنت في الثانوية في حالة جيدة إلى أن أبدى لي زميل إعجابه بي عبر الفيس بوك، وكنت قد رفضته في البداية، لكن باهتمامه بي استطاع أن يستحوذ على قلبي.
مرت الأيام وبدأت ألاحظ تغيره معي، إلى أن وصل الأمر إلى أن طلب الانفصال، لقد كنت متعلقة به لدرجة أني أفعل كل شيء لأرضيه، فقدت كرامتي، لقد قال كلمات جعلتني أفقد الثقة في نفسي كأنني سلبية وطريقة حديثي تجر الكآبة، وكان يقارنني بصديقاته كثيرا، لقد فهمت حكمة الله من هذا، وعلمت أنه يريد أن يقربني إليه والحمد لله.
أنا الآن أكثر من العمل الصالح وأسأل الله القبول، لكني أشعر بضيق كبير جدا لدرجة أني أعجز عن التنفس، وأفقد الأمل في الحياة بين الفترة والفترة، فأتجرع الغصة وأقول أنا راضية عنك يا الله، وراضية بحكمك، فاحكم ما ترى.
نفسيتي تأثرت وجسمي نحل، حتى أنني تعقدت من تعليقات الناس كلما رأوني، هل صبري على الضيق وانتظار الفرج من الله هو الحل، أم يجب أن أرى طبيبا نفسيا؟ أخاف أن تتطور حالتي إلى مرض نفسي.
في الأخير أنا نادمة على أنني علقت قلبي بغير الله جدا، والله لأن تخسر كل شيء في الدنيا أهون من أن يكسر قلبك.
أعينوني جعلكم الله من أهل الجنة، وسددكم لفعل الخير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- من الواضح ومما يلحظ من خلال ثنايا رسالتك الكريمة – ابنتي العزيزة – أنك قد حظيت بقسط وافر من حسن التربية الدينية، الأمر الذي أسهم في تداركك لخطئك, حيث لا يخفاك أن التواصل العاطفي مع شاب أجنبي لا يجوز شرعا, كما أنه لا يخلو غالبا من مفاسد أخلاقية واجتماعية ونفسية, وهو ما لمستيه بنفسك فيما أراك الله تعالى من خلال تجربتك المؤلمة, وذلك – كما ذكرت – من محبة الله لك وإرادته بك الخير, فاحمدي الله وتلقي هديته لك بقبول حسن, فالسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه, وما بني على باطل فهو باطل {فاعتبروا يا أولي الأبصار}.
- تذكري – حفظك الله - أن الحياة دار امتحان وابتلاء, وأن الآخرة دار الثواب والجزاء, وأن الواجب على العبد أن يصبر على البلاء ويشكر الله على ما من به عليه من عظيم النعماء، وأن يستحضر ثواب ذلك يوم اللقاء, ويؤمن بالقدر ويرضى بالقضاء: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال كفور}.
- وتحلي بحسن الظن بالله والثقة به وبالنفس، وقوة العزم والإرادة والتوكل على الله في تجاوز هذه العقدة والمحنة وجعلها خلف ظهرك، ومن مخلفات الماضي: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك , واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل, فإن (لو) تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.
- واحرصي – حفظك الله – على الثبات على التوبة والاستفادة من التجربة وتحلي بقوة الإيمان وتنميته بالذكر والشكر، وقراءة القرآن، وطلب العلم النافع، والعمل الصالح، ولزوم الصحبة الطيبة؛ فإن ذلك مما يسهم في صرف الهموم والاكتئاب والضيق الناتجة عن جرح المشاعر وخيبة الأمل والمرارة التي ما زالت في حلقك وذاكرتك، متأملة معاني هذه الآيات الكريمة: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}، {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} {ومن يتق الله ويجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.
- ثقي – ابنتي الكريمة - بأن الضيق والقلق الذي أنتابك ستتخطينه وتتجاوزينه – بإذن الله – مع عامل الزمن, وهي حقيقة علمية في طبيعة الصدمات العاطفية عامة, والمهم أن تحرصي على النسيان والإعراض والتغافل وطي الماضي وعدم الالتفات إليه, وضرورة الإقبال على الحاضر والمستقبل, فاحرصي على أن تضعي أهدافا لحياتك، وحاولي استثمار وقتك بالعمل الدؤوب والنجاح والتقدم في حياتك, وأن النجاح غير المتعلق بشخص ما، وبذلك يمكنك أن تحولي المحنة إلى منحة، والنقمة إلى نعمة: {لا تحسبوه شر لكم بل هو خير لكم} فلا تفقدي الأمل، ولا تملي من الصبر، وانتظري الفرج من الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
- جميل أن تشعري بالندم على تعلق قلبك بغير الله تعالى, وإدراكك بأن ردة الفعل القاسية من الشاب الذي تعلقت به رحمة من الله تعالى بك وعقوبة في نفس الوقت، وتمحيص وتكفير لخطايا المؤمنين ورفع لدرجاتهم: {ذلك من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر} {ليميز الله الخبيث من الطيب}؛ ذلك أن الله تعالى يغار أن يتعلق قلب عبده ومحبه بغيره كتعلقه به أو أشد, وفي الحديث الصحيح: (من تعلق بشيء وكل إليه).
أي أن الله يكل العبد إلى الذي تعلق به فلا ينفعه, وإذا نفعه فإنه يضره ولو بعد حين، وقد ثبت من أذكاره ودعائه صلى الله عليه وسلم في صباحه ومسائه قوله: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث, أصلح لي شأني كله, ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين, ولا أقل من ذلك فأهلك)، ولذلك فقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من المبالغة في التعلق بغير الله حيث قال فيما صح عنه: (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما, وأبغض بغيض هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما).
- لن تحتاجي إلى مراجعة طبيب نفسي – بإذن الله – إلا عند الضرورة، وخشية تطور حالتك سلمك الله وعافاك.
- إلا أني أوصيك بملء وإشباع الفراغ العاطفي بالصحبة الصالحة، وزيارة الأهل والأقارب، واعتني بصحتك جسديا وعاطفيا وروحيا، ومارسي الرياضة، وأحيطي نفسك بالأسرة والأصدقاء والمبادرة إلى الزواج ما أمكن شريطة الحرص على معايير الدين والأخلاق، والأمانة في صديقاتك وزوجك.
- وأوصيك بالإكثار من الأذكار وقراءة القرآن، وقراءة السيرة النبوية, وكذا كتاب (لا تحزن) للشيخ عائض القرني حفظه الله، ومتابعة الخطب والمواعظ والمحاضرات والدروس والبرامج الماتعة والنافعة.
- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}، أسأل الله يفرج همك ويشفي جروحك ويغمرها بنوره، ويعلق قلبك بعظمته وجلاله وجماله وكماله، ويزيدك قربا منه وأنسا وحبا واطمئنانا، ويرزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة والآمنة والمطمئنة.
آمـين.