السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا شاب في ٣٩ من عمري، متزوج ولدي طفلان -ولله الحمد- أعاني من نوبات قلق شديدة تمنعني من ممارسة حياتي بشكل طبيعي، وتكون هذه النوبات مرتبطة بمشاكل تحدث لأحد أفراد أسرتي، فمثلا إذا حصل شجار بين شقيقتي وزوجها أصاب بهذه النوبات من التوتر الشديد والقلق، والأفكار السلبية المتكررة والمرهقة، فتؤدي بي إلى الإنزواء، ولزوم الفراش، والإنهاك الجسدي، وأحس أنني على وشك الجنون حتى تحل المشكلة، فتبدأ حالتي بالتحسن بشكل جيد.
آخر مشكلة حدثت: أن زوج شقيقتي ترك عمله، وأصبحت أوضاعهم المادية سيئة للغاية، وبالرغم من أنني قمت بمساعدتهم إلا أنني منهار نفسيا، ولدي من الخوف والقلق ما لا تحتمله الجبال، وأعاني من أفكار سلبية تأخذني إلى نهايات مأساوية، تظل هذه الأفكار تنتابني طوال اليوم، وألتزم الفراش، وأفقد الرغبة في كل شيء.
في الوقت ذاته أتتبع أخبار شقيقتي من بعيد، وبحسب حالتهم تتحسن حالتي أو تسوء أكثر؛ فإذا اكتشفت أن شقيقتي وضعها مطمئن أرتاح وأعود لحياتي الطبيعية، وإذا اكتشفت أنها تعاني من أي ضرر ولو بسيط (وقد يكون هذا الإحساس من صنع وساوسي) أنهار وأتعب، وأعود إلى القلق الشديد والتوتر.
راجعت أطباء نفسيين على عدة مراحل من حياتي، حيث إن هذه الحالة تلازمني منذ سنين طويلة، ولعل سببها بالإضافة إلى كوني شخصية قلقة، إلى أن أول صدمة حقيقية أتعرض لها في حياتي كانت الخلافات المتكررة بين شقيقتي وزوجها، والتي تركت أثرا قويا في حياتي.
تناولت عدة أدوية، وحاليا أتناول دواء paroxat 30 mg يوميا، ودواء lexotanil 3 mg، نصف حبة صباحا، ونصف حبة مساء، وأشعر بتحسن عند تناول lexotanil، ولكن أثر التحسن لا يستمر لأكثر من ساعتين تقريبا، كما بدأت منذ عدة أسابيع بجلسات علاج سلوكي، وأقوم بتطبيق ما يقرره لي المعالج.
أرجو منكم تشخيص حالتي، وإبداء النصح والتوجيه، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حاتم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية.
أخي: من خلال اطلاعي على رسالتك، من الواضح أنك بالفعل شخصية قلقة، حساسة، عطوفة، وجدانية، ولديك أيضا ما نسميه بالقلق التوقعي. هذا -أخي الكريم- ليس مرضا نفسيا، كل الذي ذكرته عنك ليست أمراضا نفسية حقيقية، إنما هو نوع من الظواهر النفسية، فأول ما يساعدك على العلاج هو ألا تضع نفسك أبدا في خانة المريض النفسي، أنت رجل -الحمد لله تعالى- لديك أسرة، لديك شخصيتك، لديك عمل، تتحسس هموم الآخرين، فيك الكثير من الرحمة والوجدانيات الداخلية، وهذه -إن شاء الله- فيها خير لك، فأنت لست مريضا، وهذا يجب أن نتفق عليه.
الأمر الآخر هو: أن تدرب نفسك عقليا ونفسيا ووجدانيا لكيفية مواجهة المصاعب الحياتية، والمصاعب الحياتية موجودة -أخي الكريم- وبكثرة، فلذا لا بد أن تكون هنالك حوارات مع نفسك، (إذا حدث كذا سوف أتصرف كذا، إذا كانت هناك أخبار غير سارة تخص شقيقتي أو زوجها أو غير ذلك سوف أتخذ القرار والمواقف الآتي، وهكذا.
المشكلة الأساسية أنك تنتظر المشاكل حتى تحدث وتتفاعل معها بالكيفية التي تراها أنت، وهي كيفية وجدانية حساسة، فيجب أن تعطي نفسك نوعا من المجال الفكري، التطبع الفكري، التدريب الفكري، أن الحياة فيها صعوبات، وأن الحياة فيها جماليات أيضا، وهكذا، وقدم ما تستطيع أن تقدمه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
من المهم جدا أيضا أن تعبر عن مشاعرك، ليس من الضروري أن تقدم شيئا ماديا لأختك مثلا، لكن مجرد التعبير عن مشاعرك، مجرد نصحها، مجرد الاهتمام بأمرها، هذا في حد ذاته فيه نوع من التفريغ النفسي الجيد بالنسبة لك، ويجعلك لا تحس بالذنب أنك قد قصرت في حقها، وهكذا.
وقد وجد أن الشخصيات التي تحمل نفس سمات شخصيتك الكريمة إذا عبروا عن ذواتهم وإذا أكثروا من التواصل الاجتماعي، وإذا مارسوا الرياضة، وإذا انخرطوا في بعض الأعمال أو الأنشطة الاجتماعية والخيرية، هذا يؤدي إلى الكثير من التطبع الإيجابي بالنسبة لهم ويقلل من قلقهم، فأرجو أن تسير على هذا المسار -أخي الكريم- وأنت لست مريضا، ويجب أن تنظر للمستقبل بأمل ورجاء، ومساهماتك -إن شاء الله تعالى- طيبة جدا في أسرتك، فلا تأس على شيء، وعليك بالدعاء -أخي الكريم- الدعاء يفرج الكرب، الدعاء يمثل ذخيرة قوية للإنسان لبعث الطمأنينة في أوقات الكرب والحزن والكدر.
بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا لي تحفظ أساسي نحو عقار (لكستونيل lexotanil)، وأعتقد أنك مدرك لذلك، نعم هو قد يؤدي إلى راحة بسيطة، لكنه علاج تعودي، علاج يفقد فعاليته مع مرور الزمن واستعماله، مما يضطر بعض الناس لرفع الجرعة للحصول على نفس الفائدة، وهذا يسمى بالإطاقة وبالتحمل، هذا دواء يجب أن تسعى للتخلص منه، و (باروكستين) لو استعملت (باروكسات)، أو (زيروكسات CR) خمسة وعشرين مليجراما يوميا ربما يكون أفضل، ويمكن أن تستبدل اللكستونيل بدواء آخر مضاد للقلق مثل (دوجماتيل) مثلا، بجرعة صغيرة، أو (بسبار) أيضا مفيد، ومواصلتك للعلاج السلوكي -إن شاء الله- فيه خير بالنسبة لك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.