السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو مساعدتي على التخلص من مشكلة، أنا شاب في سن الرابعة والعشرين من عمري، تعلقت بامرأة متزوجة، تكبرني في العمر بعشر سنوات.
هي معي في العمل، وقد لاحظت اهتمامي بها، وأخبرتني أنها تعلم بأني معجب بها، وبأني شديد التعلق بها، وأنها أيضا تحبني إلى حد العشق، فأجبتها بالموافقة.
تطور الأمر بيننا بعد ذلك إلى أننا أصبحنا نتحدث في الهاتف أثناء فترة العمل، وأقوم بالاطمئنان عليها، وتطمئن علي، لكن -الحمد لله- لم يحدث بيننا أي تجاوزات سوى بعض نظرات، وبعض كلام الحب.
المهم أننا شعرنا بتأنيب الضمير، وبالذنب، وبشدة حرمة ما نفعله، فقررنا الابتعاد، فنحن نعلم أن ذلك حرام، ويعد تخبيبا مني لامرأة على زوجها، وفاعل ذلك ملعون.
حاولت مرارا وتكرارا أن أبتعد عنها، وحاولت هي أن تبتعد عني، ولكن بلا جدوى، وفعلت كل ما بوسعي، ونقلت توقيت عملي إلى وردية عمل أخرى، ولكني كنت أراها حين تنتهي ورديتي، وأنتظرها وأتحدث معها، ثم بعد ذلك أندم ونتعاهد على ألا نتحدث مرة أخرى، وبعد ذلك نعود ونتحدث في الهاتف، وكأن شيئا لم يكن، ثم نندم، وهكذا.
حتى اتخذت أنا قرارا، وطلبت إجازة بدون أجر، حتى أنساها، وحذفت رقم هاتفها، ولكني أصبحت مريضا بها، ولا أستطيع نهائيا أن أتوقف عن التفكير بها، لكن -الحمد لله- لم أعد أتصل بها وغيرت رقمي، ولكن لدي اكتئاب وحزن وبكاء شديد يكاد يقتلني، ويدفعني للانتحار، فأنا أشعر أني كنت مدمنا، وهذه هي أعراض الانسحاب.
أنا خائف من أن أضعف وأقوم بالاتصال بها، أو أن أعود معها كما كنت بعد انتهاء إجازتي، أرجو مساعدتي بخطوات عملية، وليس بتوضيح مدى الحرمة؛ لأني أعلم مدى جسامة فعلي وحرمته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
من الواضح ومما يلاحظ من خلال ثنايا رسالتك الكريمة – أخي العزيز – أنك قد حظيت بقسط وافر من حسن التربية الدينية، الأمر الذي أسهم في تداركك لخطئك؛ حيث لا يخفاك أن التواصل العاطفي مع فتاة أجنبية عنك أمر لا يجوز شرعا، كما أنه لا يخلو غالبا من مفاسد أخلاقية واجتماعية.
كما لا يخلو من متاعب نفسية مرهقة ومقلقة، وهو ما لمسته بنفسك فيما أراك الله تعالى من خلال تجربتك المؤلمة؛ وذلك – كما ذكرت – من محبة الله لك وإرادته بك الخير، فتلق هدية الله لك بكامل المحبة والقبول، فـ(السعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه)، وما بني على باطل فهو باطل، (فاعتبروا يا أولي الأبصار).
تذكر -حفظك الله- أن الحياة دار امتحان وابتلاء، وأن الآخرة دار الثواب والجزاء، وأن الواجب على العبد أن يصبر على البلاء ويشكر الله على ما من به عليه من عظيم النعماء، وأن يستحضر ثواب ذلك يوم اللقاء، ويؤمن بالقدر ويرضى بالقضاء، (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور).
تحل بحسن الظن بالله والثقة به، ثم بالنفس وقوة العزم والإرادة، وعليك بالتوكل على الله في تجاوز هذه العقدة والمحنة، وجعلها خلف ظهرك، ومن مخلفات الماضي، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز..) الحديث، رواه مسلم.
- احرص – حفظك الله – على الثبات على التوبة بقطع الصلة والعلاقة بالفتاة، والاستفادة من التجربة، وتحل بقوة الإيمان وتنميته بالذكر والشكر، وقراءة القرآن، وطلب العلم النافع والعمل الصالح، ولزوم الصحبة الطيبة؛ فإن ذلك مما يسهم في صرف الهموم والاكتئاب والضيق الناتجة عن جرح المشاعر وخيبة الأمل، والمرارة التي ما زالت في حلقك وذاكرتك، متأملا معاني هذه الآيات الكريمة: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
ثق -أخي الكريم- بأن الضيق والقلق الذي انتابك ستتخطاه وتتجاوزه – بعون الله – مع عامل الزمن، وهي حقيقة علمية في طبيعة الصدمات العاطفية عامة، والمهم أن تحرص على النسيان والإعراض، والتغافل، وطي الماضي، وعدم الالتفات إليه، وضرورة الإقبال على الحاضر والمستقبل.
احرص على أن تضع أهدافا لحياتك، وحاول استثمار وقتك بالعمل الدؤوب، والنجاح، والتقدم في حياتك، وبذلك يمكنك أن تحول المحنة إلى منحة، والنقمة إلى نعمة، (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) فلا تفقد الأمل، ولا تمل من الصبر، وانتظر الفرج من الله تعالى، (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
جميل أن تشعر بالندم على تعلق قلبك بغير الله تعالى، ذلك أن الله تعالى يغار أن يتعلق قلب عبده ومحبه بغيره، كتعلقه به أو أشد، وفي الحديث الصحيح: (من تعلق بشيء وكل إليه)، أي أن الله يكل العبد إلى الذي تعلق به فلا ينفعه، وإذا نفعه فإنه يضره، ولو بعد حين، وقد ثبت من أذكاره ودعائه صلى الله عليه وسلم في صباحه ومسائه قوله: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، وقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من المبالغة في التعلق بغير الله؛ حيث قال فيما صح عنه: (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما).
لن تحتاج إلى مراجعة طبيب نفسي – بعون الله – إلا عند الضرورة وخشية تطور حالتك -سلمك الله وعافاك- إلا أني أوصيك بملء وإشباع الفراغ العاطفي بالصحبة الصالحة، وزيارة الأهل والأقارب، واعتن بصحتك جسديا وعاطفيا وروحيا، ومارس الرياضة، وأحط نفسك بالأسرة والأصدقاء.
المبادرة إلى الزواج ما أمكن، شريطة الحرص على معايير الدين والأخلاق والأمانة في شريكة حياتك، فما من علاج أفضل للمتحابين من النكاح، كما هو بنص الحديث الوارد في الصحيح: (أغض للبصر وأحصن للفرج)، وفي القرآن الكريم قوله: (لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).
أوصيك بالإكثار من الأذكار وقراءة القرآن، وقراءة السيرة النبوية، وكذا كتاب (لا تحزن)، ومتابعة الخطب والمواعظ والمحاضرات، والدروس والبرامج الماتعة والنافعة.
اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، أسأل الله أن يفرج همك ويشفي جروحك، ويغمرها بنوره ويعلق قلبك بعظمته وجلاله وجماله وكماله، ويزيدك قربا منه وأنسا وحبا واطمئنانا، ويرزقك الزوجة الصالحة، والحياة السعيدة والآمنة والمطمئنة...آمـين.