السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمي امرأة كبيرة في السن، وتسكن في المنزل الذي نسكن فيه أنا وإخوتي، ونحن ثلاثة إخوة، أمي تعيش في الدور الأول، ولكل واحد منا دور خاص، المشكلة أن زوجتي ترفض مساعدة أمي في أي شيء، وترفض الجلوس معها في أوقات الفراغ، وعند وجود أي مشكلة بيني وبين زوجتي تتعامل بأسلوب غير لائق مع أهلي، علما أن تعاملي مع أهلها في كل الأحوال يكون بكل تقدير واحترام.
حاولت نصحها، وإخبارها بأن أمي هي مصدر السعادة لي برضاها عني، وهذا الرضا سيعود علينا، ولكنها لا تستجيب، وأنا غير قادر على المقارنة بين عدم مراعاة أمي وتقبل هذا الوضع، نفسيتي مرتبطة برضا أمي، وهي تركت المنزل بعد أن أخطأت، فما رأيكم؟ وما هو الحل؟ مع العلم أنني أعرف أن خدمة أم الزوج ليست فرضا، ولكنها من باب مساعدة كبار السن الذين يحتاجوننا، وإكراما لي، ولكن لا فائدة، وقد قلدتها زوجات إخوتي في تعاملها مع أمي.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وزادك من حسن الدين والخلق والبر للوالدين، والصلة للأرحام، وجمع شملك وأهلك على مودة ورحمة وخير، ورزقك التوفيق والسداد، وألهمك الهدى والخير والرشاد.. آمـين.
نعم، لا يجب على الزوجة أن تساعد أم الزوج, فلا يجوز للزوج الضغط على زوجته وإلزامها بما لم يلزمها الشرع به, لكن لا يخفى مكانة الزوج وحق القوامة له عليها، لقوله: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}، فيجب عليها إجلال زوجها، وتعظيم حقه الشرعي، وحسبنا ما ثبت من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظيم حقه عليها).
يجب طاعة زوجها بحدود المعروف كما قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}، وفي الحديث: (إنما الطاعة في المعروف), والمعروف في الشرع الحنيف والعقل السليم والفطرة السليمة أن تحرص الزوجة على بر زوجها، والإحسان إليه، والحرص على إدخال السرور والسعادة في نفسه, ومن ذلك أن تراعي حقه في مصالح أمه المادية والنفسية والمعنوية, وهي بذلك تجلب مقاصد النكاح الشرعية المذكورة في قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}، فلا شك أن خدمة الزوجة لأم زوجها في الأمر اليسير، وزيارتها في الأحيان، ونحو ذلك من وجوه التلطف والتودد مما يقوي العلاقة الزوجية، ويجلب المودة والرحمة بين الزوجين.
وصف الله تعالى الزوجات الصالحات بقوله سبحانه: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}، كما أن معيار الزوجة الصالحة بحسن الدين في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
وتقاس الزوجة على الزوج في صفات الدين والأمانة والخلق الواردة في حديث: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، ولا شك أن من آثار حسن الدين والخلق والأمانة أن تعامل الزوجة زوجها بمقتضى الإحسان إليه, والإحسان أخص من العدل، إذ العدل هو المعاملة بالمثل, وأما الإحسان فهو المعاملة بالفضل, وهو الأحسن من المثل, فإذا كان من بر الوالدين، وصلة الأرحام، هو المعاملة لهم بالإحسان كما في قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا}، ولما شكى رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن لي قرابة أصلهم يقطعوني، وأحسن إليهم، ويسيئون إلي, قال له: إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل –الرماد الحار–، ولا يزال عليك من الله حافظ مادمت على ذلك، وصح عنه كما في حديث آخر: (بيس الواصل بالمكافئ, وإنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها)، فالزوج ولا شك أولى بالمعاملة بالإحسان، لما سبق من حديث، (لعظم حقه عليها).
ونقول للزوجة: أرأيت لو عاملك زوجك بمقتضى العدل فتزوج عليها أخرى، واشترط عليها خدمة أمه ومؤانستها ونحو ذلك، ألست رغم علمك بحقه الشرعي في ذلك تتألمين؟ وكذا لو كان ينفق عليك في حدود العدل لا الإحسان والفضل، أي وفق حاجتك فحسب, أكنت تحزنين؟ وفي الحديث: (لا تحصوا فيحصي الله عليك)، أي لا ينبغي للإنسان أن يضيق في معاملته للآخرين, فالزوج من باب أولى.
ونقول للزوج: إذا أردت من زوجتك التعامل معك بإحسان، فعليك أن تكسب مودتها بتحقيق مقاصد النكاح السابقة، السكن النفسي والمودة والرحمة، وبالإحسان إليها لتعامله بالمثل، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، فلا تحص عليها ولا تشدد, فالدين كما يقال المعاملة, وكسب قلوب الناس إنما يكون باللين، واللطف، والرفق، وبالمحبة والرحمة، كما كان نبي الرحمة -عليه الصلاة والسلام-.
قال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}، فالإنسان أسير الإحسان.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ** فطالما استعبد الإنسان إحسان
وهو القائل -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها-: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله, ويعطي على الرفق ما لا يعطي على الشدة, وما لا يعطي على ما سواه)، [رواه مسلم].
والخلاصة: أنه لا يجب على زوجتك خدمة أمك, لكن من مقتضى البر بك، والطاعة لك، والإحسان إليك، وحسن التبعل والتودد، تقديم الخدمة ولو يسيرة لأمك ومؤانستها ونحو ذلك, وفي المقابل أن من مقتضى حسن الدين والخلق منك كسب قلب وود زوجتك بالإحسان إليها واللطف معها.
ومن المهم تنمية الجوانب الإيمانية والأخلاقية لدى زوجتك, وذلك بالحرص على حضورها واستماعها للمواعظ، والخطب، والمحاضرات، والدروس، والبرامج العلمية النافعة والمفيدة, وإزالة الشبهات العالقة لديها, وأصدقاء السوء عنها، ومشاركتها الإكثار من الذكر وقراءة القرآن والطاعة.
اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء لك ولها بالصلاح والاستقامة والبر، لقوله تعالى: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}.
وفقك الله وأعانك، وفرج همك، وشرح صدرك، ويسر أمرك، وأصلح زوجك، وبارك فيك حرصك على البر بأمك، وأسعدك الله في الدنيا والآخرة.