السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود طرح استشارتي، أنا متزوجة منذ ست سنوات، ولدي ثلاثة أطفال، ولكنني أختلق المشاكل مع زوجي لأبسط الأسباب، علما أنني أحبه، وأجهل الأسباب وراء تعاملي بهذا الأسلوب.
عندما أغضب يصمت زوجي، ويحاول التجاهل، ولكنني أبكي، وأبحث عن كل أمر نكدي، وأسعى لإيذاء نفسي أحيانا، بخلاف شخصيتي قبل الزواج، كنت أحب الضحك والحياة، لا أفعل شيئا سوى البكاء وتمني الموت، طلبت الطلاق عدة مرات رغم حبي له وتعلقي به، تعاهد مع زوجي على أن أسيطر على نفسي من أجلنا، لكنني لا أستطيع، فعند أبسط أمر أخرج وأخبر به الناس، وأبكي، ولا أسيطر على نفسي، تعبت كثيرا وتعب أهلي، أرجوكم أعينونني.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إقرارك بأخطائك مع زوجك -حفظكما الله- دليل على حسن دينك، وخلقك، وأمانتك، وحسن تربيتك، ووفائك لحق زوجك والعشرة الطيبة, شكر الله لك وبارك فيك وجزاك خيرا.
إن إقرارك بالخطأ من جهتك -سلمك الله- يعتبر بداية الحل والعلاج للمشكلة, كما يقال في الحكمة: عرفت فالزم, فالعمل على التغيير إلى الأحسن بفعل المأمورات وترك المنهيات واجب شرعي, وهي مسؤولية فردية وذاتية قبل أن تكون جماعية، لقوله: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، والقدرة على التغير ممكن من غير مشقة زائدة، ذلك لأن الله تعالى لا يكلفنا بشيء إلا وهو داخل في الإمكان والوسع والطاقة، لقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها... ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به}، وفي الحديث وهو حسن بمجموع طرقه: (إنما العلم بالتعلم, والفقه بالتفقه -وفي رواية- والحلم بالتحلم).
فالواجب عليك حسن الظن بالله والثقة به, ثم تعزيز الثقة بالنفس، وتقوية الإرادة والهمة، والعزم والحزم، والتصميم، والتفاؤل والأمل، واليقين بالقدرة على التغيير والإصلاح، والتصحيح والمراجعة, والمهم بعد الإقرار بالخطأ البدء على الفور والمبادرة للإصلاح، كما قال تعالى: {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، [رواه مسلم].
لا تيأسي أو تقنطي من رحمة الله تعالى وقدرته على تبديل حالك إلى الأحسن, ومن سعة عفوه ورحمته سبحانه قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
ولا تملي أو تسأمي أو تتكبري من واجب الاعتذار لزوجك كلما أخطأت في حقه, وطلب العفو والمسامحة منه, والتماس العذر ببيان شدة محبتك له وحيائك واعتذارك عما يبدر منك من تجاوزات غير مقصودة، وبيان شكرك لسماحته وسعة صدره وصبره، فإن ذلك مما يعذرك عند ربك سبحانه, وعند زوجك مادام متصفا بالعقل وحسن الخلق, كما يشفع لك أيضا زيادة تقربك له بالتودد، والتلطف، والتزين، والخدمة، والطاعة عند هدوء نفسك واستقرارها, فلا يخفاك أن من أعظم مقاصد الشرع في الزواج، ما ورد في قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
أنصحك بالتزام الرقية الشرعية من العين، والحسد، وشر وساوس شياطين الإنس والجان و-العياذ بالله تعالى-, فغير بعيد أن يكون قد أصابكما شيء من هذه الآفات -عافاكم الله-، مما يلزم معه كثرة اللجوء إلى الله، والإلحاح عليه بالدعاء، متحرية أوقات الإجابة، لا سيما ونحن في شهر مبارك فضيل، شهر التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي, ومنها أذية الزوج والإساءة إليه, كما وهو شهر القرآن, فاحرصي على الإكثار من قراءة القرآن والذكر والصلاة والقيام على أحسن ما تقدرين عليه.
وينبغي عند الغضب الاستعاذة بالله كما قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}، ومفارقة وضعك وموضعك, فإذا كنت قائمة جلست, وكذا العكس كما في الحديث, وكذا أخذ النفس بهدوء, والوضوء, وتقوى الله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}.
كما وأوصيك بالحرص على استماع المحاضرات والخطب والمواعظ والدروس والبرامج النافعة والمفيدة, ولزوم الصحبة الطيبة والبيئة الصالحة، لقوله: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة..}، وفي المقابل: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا...}، نسأل الله لنا ولك العفو والعافية، وأن يحفظك من كل سوء ومكروه, ويرزقك التوفيق والسداد، ويلهمك الهدى والخير والرشاد والصواب، ويجمع شملك وزوجك على سكن ومودة ورحمة، ويرزقكما سعادة الدنيا والآخرة.
وبالله التوفيق.