السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم جزيل الشكر على ما تقدمون لنا، وأسأل الله سبحانه أن تكون في ميزان حسناتكم.
والدتي تبلغ من العمر 62 سنة، أرى أنها متعبة جدا، ولا تستمتع بحياتها، مريضة بالسكر وتستخدم إبر الأنسولين، أمي كثيرة الصراخ على أولادها.
دائما تلومنا، فمثلا لو جلست عندها وسلمت عليها، وابتسمت في وجهها، تقابلني بجفاء وتقول لماذا تتأخر عن الصلاة مثلا، أو تبحث عن أي مشكلة لتثيرها وتلومنا بها، مهما فعلنا فإنها تستمر باللوم، وتبحث عن أشياء أخرى تلومنا بها، قلقة جدا، كثيرة التفكير والسرحان، تشتكي من أوجاع في الظهر والأقدام، ولا يظهر في الفحص شيئا، والأطباء يصرفون لها المسكنات.
عند إعداد الفطور في رمضان تكون في قمة التوتر، وتريد تجهيز سفرة كبيرة وممتازة، مع أننا جميعا لا نرغب إلا بالقليل من الطعام، ودائما نقول لها لا تتعبي نفسك، هذه نعمة و-الحمد لله-، ولكنها تجهد نفسها وتصرخ على الخادمة، وتجهد نفسها كثيرا، حتى إذا جاء موعد الإفطار تكون في قمة التوتر والانهيار، وتبكي وتقول (آه يا ظهري آه)، ثم تأمرنا بأن نأكل، وتنشغل بأكلنا، وتقريب الطعام لنا.
والدتي لا تستمتع بشيء، تجهد نفسها وتلومنا، ثم تبكي وتحمل نفسها فوق طاقتها، مع أننا نطالبها بالهدوء والتقليل من حدة تصرفاتها.
تشتكي أمي من التعب وأنها لا تستطيع، حتى عندما كانت بسن صغيرة أشعر أنها كانت تعطي نفسها عمرا أكبر من عمرها الحقيقي، وتشعر نفسها وتشعرنا بأنها كبيرة في السن، ولا تستطيع، وعاجزة، كانت تقول (لا أستطيع القراءة والكتابة، أنا لا أفهم، ولا أستطيع الحفظ)، أمور كثيرة يفعلها من هم في سنها، ولكنها تتصرف مثل النساء الكبيرات بالسن.
والدتي كثيرة التذمر من كل شيء، ودائما تنظر للأمور السلبية والجوانب السلبية، لا تنظر للأمور الإيجابية، أزورها وأسلم عليها، واسأل عن حالها، في آخر مرة قالت لي: (الآن تذكرتني؟)، وأحيانا أبتسم وأرحب وأقبل رأسها لكنها لا تبدي أي تفاعل، بل على العكس تقوم بلومي على أي شيء، وتقول أنتم لم تفعلوا كذا وكذا، وتبدأ بذكر السلبيات واللوم، مهما حاولت استخراج الابتسامة منها تقابل بالجفاء واللوم وعدم الرضا.
لم أعد أراها تضحك وتبتسم منذ زمن بعيد، ما هو التشخيص؟ وهل يناسب أن تستخدم دواء يساعدها؟ وكيف نتصرف معها سلوكيا؟ خاصة أن والدي لديه اكتئاب و-الحمد لله- أشعر أنه أفضل بعد الدواء، كذلك أنا أستخدم دواء الايفكسور للقلق الاكتئابي، و-الحمد لله- تحسنت، كذلك عدد من إخواني أعتقد أنهم يستخدمون الأدوية.
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، ونسأل الله تعالى أن يتقبل طاعتكم، وأود أن أتقدم لك بتحية وشكر خاص على اهتمامك بأمر والدتك، وما ذكرته من أعراض تنتاب الوالدة وهي العصبية، التوتر، عدم التحمل، التذمر، عدم الارتياح، عدم الاستمتاع بالحياة، هذا كله يدل على أنها مصابه باكتئاب نفسي، والاكتئاب النفسي حين يأتي بهذه الصورة كثيرا ما يتم عدم تشخيصه، و-الحمدلله تعالى- رسالتك واضحة وشافية، ونسأل الله تعالى أن يكون قد وفقنا للتشخيص الصحيح، و-إن شاء الله تعالى- التشخيص صحيح، وهو الاكتئاب النفسي.
الاكتئاب النفسي في مثل عمرها وبالنسبة لمرضى السكري على وجه الخصوص، ونعرف أن 60% منهم يصابون بما يمكن أن نسميه بالاكتئاب المقنع، أو الاكتئاب الخفي الذي لا يشخص، تأتي أعراضهم بالكيفية التي ذكرتها، ولا يظهر المرض في شكل علة مزاجية واضحة.
الوالدة سوف تستفيد كثيرا جدا من الأدوية المضادة للاكتئاب، وعقار سبرالكس هو الأفضل، لأنه أسلم لأنه فعال، طبعا إذا استطعت عرض الوالدة على طبيب نفسي فهذا أمرا جيد وهو الأفضل، أو حتى طبيب السكر يمكن أن يصف لها السبرالكس، الجرعة المطلوبة هي 5 مليجرامات، تبدأ في تناولها يوميا لمدة أسبوع، بعد ذلك ترفع إلى 10 مليجرامات يوميا لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى 20مليجراما يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 10 مليجرامات يوميا، وهذه قد تحتاج أن تستمر الوالدة عليها لمدة عام على الأقل، بعدها يمكن أن تخفض الجرعة إلى 5 مليجرامات يوميا لمدة شهر، ثم 5 مليجرامات يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.
ويا حبذا لو دعمنا السبرالكس في الأيام الأولى للعلاج بعقار دوجماتيل، والذي يعرف باسم سلبرايد، الجرعة هي 50 مليجراما يوميا لمدة أسبوع، ثم نجعلها 50 مليجراما صباحا ومساء لمدة شهرين، ثم نجعلها 50 مليجراما يوميا لمدة شهر، ثم نتوقف عن تناول الدواء.
ميزة الدوجماتيل أنه يعجل ويساعد ويدعم فاعلية السبرالكس، وفي ذات الوقت دواء فاعل وممتاز لعلاج الأعراض النفسوجسدية، فالآلام التي تشتكي منها الوالدة سوف تختفي تماما، وأنا أبشرك وأطمئنك أن كلا الدوائين سليم وفاعل.
اسأل الله تعالى أن لا نحرم هذه الوالدة من العلاج، لأنها بالفعل غير سعيدة ومتعبة ومتألمة نفسيا.
أيها الفاضل الكريم، بقية العلاج يتمثل في المساندة والبر ليس أكثر من ذلك، وأنا متأكد أنك على إدراك ووعي بذلك، و-إن شاء الله تعالى- حين تبدأ الوالدة الدواء سوف تكون أكثر استجابة لمعاملتكم لها، وسوف تشعر بإيجابيتكم وهذا يمثل دافعا نفسيا عظيما بالنسبة لكم ولها.
أيضا الوالدة إذا استطاعت أن تمارس رياضة المشي سوف تكون ذات واقع عظيم عليها، وشيء آخر مهم جدا هو: أهمية أن تشعر الوالدة دائما أنها هي صاحبة الحكمة صاحبة الوقار، وأنكم في حاجة إليها هذا مهم جدا.
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.