وساوس دينية وضيق في الصدر عند الصلاة!

0 185

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا بعمر 24 سنة، أعاني من وساوس في الدين والخلق، وضيق في الصدر، وذلك بعدما أصبحت محافظا على الصلوات في المسجد، والابتعاد عن المعاصي، وكنت في غالب الأحيان مكتئبا وكثير السرحان والتفكير، وكنت أشعر بالنفاق والكفر، وبأني فقط مستهزئ، علما أني أشعر بابتسامة جبرية في الصلاة أو الدعاء، وأصبحت أحدث نفسي كثيرا، وهذا كله لم يكن من قبل.

بماذا تنصحونني؟ وكيف أتعالج من كل ذلك؟

جزاكم الله خيرا، وأرجو الدعاء لي بالشفاء والهداية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عثمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- لا شك أن رسالتك لطلب الحل والدعاء بالشفاء والهداية, ولأن يرزقك الله تعالى اليقين والتوكل؛ دليل على ما حباك الله تعالى من خير في دينك وخلقك وحسن تربيتك ويقظة ضميرك، فأسأل الله تعالى أن يحفظك –أخي العزيز– ويسلمك من كل سوء ومكروه ويصرف عنك وساوس الهوى والنفس والشيطان, ويعافيك من الأمراض النفسية والحسية والوساوس المرضية والشيطانية.

- لا شك أن هذه الآثار والأعراض السلبية والنفسية ما جاءتك بعد محافظتك على الصلاة وبعدك عن المعاصي إلا دليل على أن مصدرها وموردها الشيطان الرجيم؛ مما يستلزم معه ضرورة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والإكثار من ذكر الله تعالى لا سيما أذكار الصباح والمساء وأعمال اليوم والليلة وقراءة القرآن، لا سيما سورة البقرة وسور الإخلاص والمعوذتين (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).

- اعلم – أخي العزيز – أن هذه الوساوس إذا كانت – كما ذكرت في رسالتك – جبرية فهي تهجم عليك بغير قصد منك ولا إرادة ولا اختيار, فإنك ولا شك معذور شرعا لا تؤاخذ عليها لما تقرر في قواعد الفقه أن التكاليف مرهونة بالقدرة والاستطاعة, ولا تكليف بغير المقدور عليه لقوله تعالى : (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقوله: (ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به) (فاتقوا الله ما استطعتم) ولذلك فقد أجمع العلماء على أن من موانع التكفير أعذار الجهل والخطأ والنسيان والتأويل والإكراه (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا...)، وفي الحديث الحسن بمجموع طرقه: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). وقد ورد في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم : (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم).

- إلا أن الواجب عليك أن تكره هذه الوساوس والخواطر الشيطانية وأن تحرص على النفور منها والمدافعة لها وتكون بذلك مثابا مأجورا لما صح عند مسلم: (أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا النبي فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه ؟ قالوا: نعم, قال: ذاك صريح الإيمان) قال الإمام النووي ما معناه: أي ان استعظامكم الكلام به لشدة الخوف منه والنطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: (أوجدتموه, الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) وقال: (ذلك صريح الإيمان)، وعليه فلا ينبغي لك أن تتهم نفسك ودينك بالنفاق والكفر, فإن من شأن هذه الوساوس أن تخالج أهل الصلاح أيضا كما قال تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون* وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) والمعنى: أن أهل التقوى مع هذه الوساوس مبصرون, بينما إخوان الشياطين معها منقادون مسترسلون. نسأل الله الثبات والعافية.

وعليه, فإن الواجب عليك اتباع الخطوات التالية:

- الصبر على هذا البلاء, والثبات على أمر الله ودينه, واحتساب الثواب وحسن الجزاء يوم اللقاء, والرضا بالقضاء مع حسن الظن بالله والثقة بالنفس وصدق الالتجاء إلى رب الأرض والسماء بخالص الدعاء فهو القائل سبحانه: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، وقل كما قال نبي الله أيوب -عليه السلام-: (رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب) (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).وأبشر بالفرج القريب من الله تعالى السميع المجيب سبحانه.

- الحرص على النفور والكراهية والمدافعة ما أمكن لهذه الوساوس الشيطانية (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).

- الحرص على عدم التكلم بها, وضرورة الإعراض عنها والتغافل والتناسي لها وعدم الاسترسال معها قطعا لطريق الشيطان الرجيم في الاعتقاد بها (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير).

- كما ينبغي كذلك مراجعة المشكلة من الجهة النفسية, فمعلوم أن الشخص المصاب بالوساوس المرضية وهو نوع من الاضطرابات النفسية تجعل المصاب بهذه الوساوس تشغله وتستحوذ على تفكيره وتشعره بالقلق البالغ، فلا بد من تعزيز الثقة بنفسك وتعلم مهارات التكيف والتعايش مع القلق الصحي لديك حتى لا يفسد عليك حياتك، والشعور بالأمن وعدم الارتياح والمخاوف الصحية لديك، وإن مجرد تعرفك على هذه الوساوس مما يعزز قوتك ويساعدك من تجاوز أو التخفيف من مخاوفك, ولا بد من تجنب المبالغة في القلق والتركيز على مرضك وذلك بالاحتفاظ برؤية واقعية للأمور أعانك الله وشفاك.

- تنمية الإيمان بطلب العلم النافع والعمل الصالح وقراءة الكتب الإيمانية والعلمية والوعظية واستماع الخطب والمحاضرات والبرامج العلمية النافعة والمفيدة (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، قال تعالى: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

- من ذلك قراءة الكتب العصرية المخصصة في رد الشبهات ككتاب: (الإيمان والحياة) للشيخ القرضاوي, والكتب والأشرطة الواردة في علم (الإعجاز العلمي والكوني) ونحوها.

- كما أوصيك بمراجعة الطبيب النفسي –إذا لزم الأمر– لمعالجة مشكلة الاكتئاب وضيق الصدر, وفي الحديث: (تداووا عباد الله. فإن الله ما أنزل داء إلا جعل له دواء).

- ضرورة لزوم الصحبة الصالحة والجلوس مع أهل العلم والدعوة والحكمة مع الاهتمام بمزاولة الرياضة البدنية والترويح عن النفس؛ للتخفيف من آثار الوساوس والأمراض النفسية والطاقة السلبية.

أسأل الله أن يفرج همك ويشرح صدرك ويربط على قلبك ويثبتك على دينك ويصرف عنك الوساوس والأمراض، ويرزقنا وإياك الثبات على الدين والإيمان واليقين والهداية إلى صراطه المستقيم، إنه سميع عليم.

مواد ذات صلة

الاستشارات