أريد الزواج وتحصين نفسي ولكن شروط أبي القاسية للزوجة تحرمني ذلك

0 178

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبلغ من العمر 28 عاما، وأبحث عن زوجة منذ سبع سنوات, وضع أبي شروطا معينة لاختيار الزوجة، من جمال ونسب ومال ووظيفة بعينها، واشترط أيضا أن يكون لها موقف سياسي معين، وحينما أذكره بالدين، يقول هذا شيء مفروغ منه, وخطبت مرتين دون موافقة تامة منه، وفشلت الخطبة بعد وقت قصير، شروط والدي غير متوفرة، فهو يطلب فتاة كاملة، ولا يوجد إنسان كامل.

دلني أحد الأصدقاء على فتاة، وعند السؤال عنها وعن أهلها، تبين بأنهم جميعا على خلق ودين، لكن الفتاة لا تعمل، ومستواها التعليمي ليس كما يتمنى أبي، والدها ميسور الحال، ولكن مستواهم الاجتماعي من وجهة نظر أبي لا يناسب مستوانا الاجتماعي, وتفكيرهم السياسي كذلك، وهذا الشيء قد يخلق مشكلة، خاصة وأن مثل هذه المشكلة حدثت من قبل في الخطبة الأولى، ولكنني أرى أن تفكيري وحكمتي في التعامل مع الأمور قد اختلفت عن الخطبة الأولى، ولو عاد بي الزمن ما كنت تعاملت بنفس الطريقة في الخطبة الأولى.

رفضها أبي, وأخشى لو أنني أتممت الخطبة دون موافقة تامة منه أن أفشل للمرة الثالثة، وأخشى من الوقوع في الفتنة لو تأخرت عن الزواج، أنقذني الله كثيرا من الزنا، وقد كان الوقوع فيه سهلا.

أرجو النصيحة، وأعتذر عن الإطالة، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وشكر لك حسن ظنك وثقتك, وحرصك على مراعاة مشاعر والدك الكريم -غفر الله له وعافاه-، وحرصك على طلب العفة باختيار الزوجة الصالحة.

لا يخفى عليك أنه لا يجوز للوالدين أن يفرضا على أبنائهم اختيار الزوج أو الزوجة إلا بإذن أولادهم ورضاهم, لكن يستحب للأولاد طاعة آبائهم في اختيار شريك حياتهم, تحقيقا لبرهما والإحسان إليهما، شريطة أن يكون شريك الحياة على جانب مرضي من الدين والخلق الحسن, لما دلت عليها النصوص الشرعية: (فالصالحات قانتات حافظات الغيب بما حفظ الله)، وفي الحديث: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).

لكن من المهم مراعاة خاطر والدك ورضاه ما أمكن، حرصا على البر به وطاعته والإحسان إليه، لا سيما في مثل هذا الأمر -الزواج-, وهو ولا شك حساس, وله تأثيره على الأسرة والوالدين، كما له تأثير عليك في الحاضر والمستقبل اجتماعيا وغيره.

ولقد أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتبار الناس لمواصفات الجمال والمال والحسب والدين في الزوجة، في قوله : (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها)، [رواه البخاري ومسلم].

وذلك لما في هذه الخصال من مزايا ومصالح طيبة, إلا أن اللائق بأهل الدين والمروءة العناية بصفة الدين في الزوجة, ولذلك شدد عليه وأكد في قوله: (فاظفر بذات الدين تربت يداك), فيقدم معيار الدين على ما سواه عند التعارض, وأما إذا أمكن الجمع بين هذه الصفات الأربع فهو أكمل وأجمل وأفضل ولا شك, إلا أنه لا ينبغي المبالغة المفرطة في توفرها، إلى حد التأثير على زواجك والتأخير لأجلها، لما أمر الشرع به من المبادرة في الزواج طلبا للعفة، وإحصان الفرج، وغض البصر، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج..)، فحرف (الفاء) حرف عطف يفيد التعقيب، وهو عكس التراخي والمهلة, ويتأكد في مثل وضعك حيث تأخر العمر وخشية الفتنة كما ذكرت.

وعليه فإن كراهية والدك أن تكون زوجتك من أسرة متواضعة في النسب أو المال, فليس في الأسرة المتواضعة عيب شرعي إلا أن تراعي العرف العام فحسب, وهو أمر معتبر إذا كان في تركه ما يخل بالمروءة في عرف الناس العام, نعم, فإن تكاليف النفقة والسكنى على الزوج دون الزوجة, لكن يجوز للخاطب أن يختار الزوجة صاحبة المال كالموظفة، لما سبق في الحديث: (..ولمالها..)، وذلك لإعانة زوجها على تكاليف النفقة والسكنى إذا كان محتاجا، شريطة الاتفاق معها على مساعدته أثناء العقد فحسب, وقد صح عن عمر -رضي الله عنه- قوله: (مقاطع الحقوق عند الشروط)، أي أن الإنسان ينقطع حقه بما التزم به من شروط على نفسه, وفي الحديث: (المسلمون على شروطهم)، وفي البخاري: (إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج).

وأما اشتراط والدك أن تكون زوجتك من اتجاه أو موقف سياسي معين, فلا يلزم شرعا إلا صلاح دين الزوجة وأخلاقها فحسب، كما سبق في الحديث، نعم, فإن من صلاح الدين استقامة واعتدال فكرها ووعيها وثقافتها، وموافقة ذلك لثوابت الشريعة فحسب، دون ما اختلف فيه أهل العلم، إذ الاختلاف في القضايا محل الخلاف واسع ويتسامح فيه, ومازال أهل العلم والفكر والسياسة يختلفون في القديم والحديث, مما يلزم معه المنع من أن يوجب الخلاف أدنى شقاق أو افتراق, ولا يبنى عليه ولاء وبراء وعداوة وبغضاء, وبالتالي لا ينبغي أن يحول أو يؤخر الزواج، ولا يخفى أن الكمال المطلق لله تعالى, والكمال البشري نسبي ومحدود, وهو عزيز نادر, ويمكن للزوج غالبا التأثير على زوجته إيجابا, ولذلك أباح الله للمسلم الزواج من نساء أهل الكتاب على كفرهن, فكيف بالمسلمة المختلفة معنا في الفروع والجزئيات الفقهية أو الفكرية والسياسية؟

ومعلوم أن الرجل لا يشترط في صحة نكاحه إذن الوالدين بخلاف المرأة, إلا أن الأصل الحرص على تحقيق طاعة الوالد ورضاه ما أمكن، شريطة ألا تحول مبالغته في الشروط –غفر الله له– في إعاقة الزواج أو تأخيره, فإن خشيت بتأخير الزواج الفتنة فإنه يجوز لك المبادرة إليه ولو بغير إذن والدك، بشرط الاعتذار له والتودد إليه بحسن الأدب والخلق والتعامل معه, وتوفير أكبر قدر من الصفات الطيبة المرجوة في الزوجة، ويمكن الاستعانة بمن تأنس منهم التأثير على والدك والقبول لديه ممن يتحلون بالحكمة من الأهل والأقارب في إقناعه ابتداء أو طلب مسامحته.

أوصيك بالاستخارة لله تعالى, واللجوء إليه بخالص الدعاء أن يلين الله قلب والدك ويشرح صدره, وأن ييسر أمرك ويوفقك إلى الزوجة الصالحة، (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).

أسأل الله أن يفرج همك ويرزقك التوفيق والسداد ويلهمك الهدى والخير والرشاد وسعادة الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات