السؤال
السلام عليكم
أنا شاب، أعاني من الوسواس في العقيدة، أريد أن أعرف الله بحق، وما هي صفاته، وما الدليل عليها، ولماذا أتقيه، وما هو الدافع الحقيقي للتقوى؟
متاع الدنيا جميل، ومن دخل النار وخلد فيها كافر -والعياذ بالله- قد استمتع بمتاع الدنيا، أما المؤمن فهدفه الآخرة، لأنها دار البقاء، ولكن هل من المعقول أن المؤمن الذي أضاع وقته في جهاد نفسه في الأشياء التي يحبها قد ضاع وقته هباء؟ لا أعتقد ذلك، فالله مطلق القدرة، وأظن أنه يستطيع أن يجعل وقت المؤمن الذي أفناه كأنه لم يكن موجودا من الأساس، أليس هذا صحيح؟
أليس هذا دافع حقيقي لقمع الشهوات وتقوى الله، والسعي وراء كل خير، وكل ما هو نافع؟
كما أريد أن أسأل: كيف أفصل بين النجاح وتوقع الفشل؟ بحيث تأتيني أفكار أثناء الدراسة تحثني على الانحراف، فكيف أتجاوزها لكي لا تؤثر على حياتي الدراسية؟
سؤال أخير: هل تعلمون طبيبا مشهورا في مصر أتمكن من حجز موعد معه لمدة نصف ساعة مثلا عن طريق الهاتف، لأنني لا أرغب برؤية أي طبيب نفسي؟
وشكرا لحضراتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
- أسأل الله أن يشفيك -أخي العزيز-، ويسلمك من كل مكروه وسوء, وأن يفرج همك، ويرزقك الصبر والأجر والعافية، والستر والتوفيق في أمورك كلها.
- اعلم -وفقك الله- أن الوسواس القهري -كما يقول المختصون-: عبارة عن فكرة طفيلية تهجم على ذهن الإنسان الطبيعي وتسيطر على محور تفكيره, وكلما حاول التخلص منها يصاب بالخوف والقلق والاكتئاب والاضطراب النفسي, وأنه يؤثر على حياة الإنسان العلمية والعملية، والاجتماعية والنفسية، مما يستدعي العلاج منه باعتبار العلاج الدوائي, والعلاج السلوكي, والعلاج الإيماني الشرعي, ويمكن ذلك -بإذن الله تعالى- بالفهم والتطبيق للخطوات التالية:
- كراهة هذه الوساوس القهرية النفسية والشيطانية والنفور منها، ومدافعتها بالتغافل والإعراض عنها، والتناسي لها، وعدم الالتفات إليها وإهمالها، والتحقير والتسخيف لها، والإصرار على تفاهتها، وإدراك أنها وساوس شيطانية عابرة وسخيفة جهة صدورها وورودها هي الشيطان الرجيم, مما يستلزم معه ضرورة المدافعة له (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)، والاستعاذة منه: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).
- عدم تضخيم المشكلة والثقة بإمكانية العلاج، والأمل بالشفاء التام منها -بإذن الله تعالى-، بشرط حسن الظن بالله والثقة به سبحانه، ثم بالنفس بتقوية الشخصية، وتعزيز الثقة بالذات بلزوم الحزم والعزم، والإرادة والتغافل عنها (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)، (إنه ليس له سلطان على الذين أمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به يشركون)، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).
- عدم المبالغة في حمل الهم إزاءها، أو الشعور بالضيق أو تأنيب الضمير بإدراك أنك معذور شرعا لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به)، وفي الحديث الحسن بمجموع طرقه: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، كما ورد في الصحيحين قوله: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها مالم تعمل أو تتكلم)، والمعنى أنه يشترط عدم التكلم بها بإظهار المحبة لها والإعجاب بها وإقرارها، أو العمل بالتكلف في استحضار الوساوس والشبهات, (فالمرء -كما يقال- حيث يضع نفسه)،
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل.
- ومما يخفف عنك مشاعر الضيق والقلق، ويقوي العزم والإرادة أن تستحضر -رعاك الله وعافاك- ثواب الأجر بالصبر على هذا البلاء والرضا بالقضاء, وتلتزم تقوى الله والتوكل عليه (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) (ومن يتوكل على الله فهو حسبه), وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم.
- الانشغال بالإكثار من الطاعات (احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك)، والرقية بالذكر وقراءة القرآن, وخير الأذكار والأدعية في ذلك قراءة سورة البقرة، وسور الإخلاص والمعوذتين، وأذكار الصباح والمساء.
- الاهتمام بالدراسة والقراءة والرياضة والأنشطة الاجتماعية، ونحوها من الأعمال النافعة والمفيدة (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
- وأوصيك بالقراءة في الكتب العلمية والإيمانية, لا سيما في كتب وبرامج الإعجاز العلمي للقرآن الكريم, وهي كثيرة ومعروفة, وكذا مجالسة أهل العلم المتفقهين في الشرع، والراسخين في الثقافة والوعي والفكر (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا) ممن يردون المتشابهات إلى المحكمات والفروع إلى الأصول والجزئيات إلى الكليات، ككتب الدكتور زغلول النجار، والدكتور مصطفى محمود، والشيخ عبد المجيد الزنداني، وذاكر نايك، وغيرهم ككتب: الله يتجلى في عصر العلم، والعالم لا يقوم وحده, وكتاب الإيمان والحياة للشيخ القرضاوي وغيرهم كثير.
- ومن الأهمية بمكان لمعالجة الخوف من الفشل والانحراف قراءة كتب التنمية البشرية، والبرمجة اللغوية العصبية, ككتب الدكتور إبراهيم الفقي -رحمه الله- وغيره.
- ولا مناص أو عذر من ضرورة مقابلة استشاري نفسي صالح في دينه، وكفاءته العلمية للعلاج الطبي, ولا ينبغي لك التردد في مقابلته شخصيا والاكتفاء بالاتصال الهاتفي؛ لما لا يخفى عليك من أنه لا حياء في الحق والطب والمصلحة الصحية؛ لما في الشفاء من آثار حسنة وإيجابية على دينك ودنياك، وعلى حاضرك ومستقبلك -بإذن الله-, ولا يخفى عليك ما في المقابلة الشخصية من مصالح لا تتحقق بمجرد الاتصال الهاتفي سلمك الله وعافاك, ويمكنك الاتفاق معه على الخلوة به من غير حضور أحد من الناس كما لا يخفى.
- المبادرة إلى الزواج ما أمكن لصرف الوساوس الشيطانية المحرمة, حيث يسهم الزواج في تحقيق السكن النفسي والاستقرار كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، متفق عليه.
- الدعاء, والاستعاذة بالله من همزات الشيطان -وساوسه وخطراته- كما قال تعالى: (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون).
- أسأل الله أن يعافيك ويفرج همك، ويشرح صدرك وييسر ويتولى أمرك ويرزقك التوفيق والسداد، ويلهمك الخير والهدى والرشاد. والله الموفق.