السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أعاني من الحزن دائما، ولا أشعر بأي شيء جميل، حتى عندما خطبت فتاة لم أشعر بأي سعادة، مع أنني ملتزم بالصلاة، والرياضة، ودائما أجلس في البيت بمفردي، ولا أخرج إلا بشكل قليل، وأشعر بالوحدة، وأتمنى أن أسافر لمكان لا يوجد به أحد، أرجو من سيادتكم وصف حالتي.
شكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mohamed حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لقد ذكرت في رسالتك أنك تشعر بضيق وحزن، ولا تشعر بالفرح، ولا تحب أن تخرج من البيت، رغم أنك مرتبط بفتاة عن طريق الخطوبة، وانك ملتزم بالصلاة وتمارس الرياضة.
ولم تذكر أي تفاصيل عن سبب هذا الحزن، أو متى بدأت تشعر بهذا الضيق، وما هو عملك، وهل لديك هدف تسعى إلى تحقيقه.
وعلى كل الأحوال أنطلق معك في علاج مشكلتك من قانون إلهي، قال تعالى: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمىٰ"، (سورة طه - 124)، وقال الله تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"، [النحل: 97]، فالآيتان تشيران بوضوح إلى سبب الضيق والضنك، وسبب السعادة والحياة الطيبة.
لقد أعجبني قولك إنك تصلي، وهذه نعمة من الله اسأل الله لك الثبات عليها، لكن هناك فرقا بين مؤدي الصلاة وبين مقيم الصلاة، إقامة الصلاة بأركانها، وخشوعها هي التي تورث القلب طمأنينة وراحة والصدر انشراحا وتذهب الغم والهم، لذا أنصحك بما يلي:
1- أن تلزم نفسك بأداء الصلوات في جماعة، وخاصة صلاة الفجر، وسينعكس ذلك على قلبك، وستلحظ أثره مباشرة على حياتك.
2- احرص أن يكون لك وردا من القرآن الكريم، والذكر، والدعاء، والصلاة في جوف الليل، والتزم بصلاة النافلة لا الفريضة فحسب وأكثر من الاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ربع الليل قام فقال: (يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه)، قال أبي بن كعب: فقلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: (ما شئت)، قال: قلت: الربع؟ قال: (ما شئت، إن زدت فهو خير لك)، قلت: النصف؟ قال: (ما شئت، فإن زدت فهو خير لك)،قال: قلت: ثلثين؟ قال: (ما شئت، وإن زدت فهو خير لك)،قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: (إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك)، رواه الترمذي.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) رواه أبو داود وابن ماجه.
3- من أسباب السعادة الصحبة الصالحة التي تأخذ بيدك إلى طريق الخير وتكون لك العون والسند، قال سفيان الثوري (رحمه الله): ما بقي لي من نعيم الدنيا إلا ثلاث: أخ ثقة في الله أكتسب من صحبته خيرا، إن رآني زائغا قومني، أو مستقيما رغبني، ورزق واسع حلال ليست لله علي فيه تبعة، ولا لمخلوق علي فيه منة، وصلاة في جماعة أكفى سهوها وأرزق أجرها.
4- الأعمال الصالحة والإحسان إلى الناس، فإن ذلك سيشعرك بسعادة غامرة، حين تفرج كربة، أو تغيث ملهوفا، أو تقدم العون لمن يحتاجه.
5- الابتعاد عن المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في آثار المعاصي نذكر منها:
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة، ما لا يعلمه إلا الله.
أولا: وحشة يجدها العاصي في قلبه لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلا، لو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة، وما لجرح بميت إيلام.
ثانيا: الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس لا سيما أهل الخير منهم، فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسه، فتراه مستوحشا من نفسه.
ثالثا: تعسير أموره.
رابعا : ظلمة يجدها في قلبه، حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم.
خامسا: أن المعاصي توهن القلب والبدن.
سادسا: أن المعاصي تفسد العقل فإن للعقل نورا والمعصية تطفئ نور العقل.
6- قم بزيارة إلى المشافي، وراقب حال المرضى بعين قلبك، لتعرف ما أنتم فيه من النعم، وقم بزيارة إلى حي فقير، واسأل عن حال أهلها، حين ستشعر أنك مغمور بالنعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم، [رواه البخاري ومسلم].
7- اجعل لنفسك هدفا في هذه الحياة، واجعله مقرونا بزمان، وضع الخطط الاستراتيجية لتحقيق ذلك الهدف، فوجود الهمة سيبث فيك همة وإقبالا على السعي والعمل، وسيمنحك القوة والنشاط والحيوية، والإقبال على الحياة بهمة وعزيمة وإرادة قوية.
8 ـ اجعل أهم أهدافك في الحياة -رضى الله تعالى- كما قال ابن القيم في أسباب السعادة: "إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكله إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم".
أسأل الله أن يرزقك رضا وحبورا، ويجعلك من سعداء الدارين اللهم آمين.