السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب ماجستير، وقد كتبت استشارة مسبقة، بعد قراءة الاستشارة -ولله الحمد- بدأت الكتابة في جزء يسير من البحث، وكنت متحمسا للبحث والكتابة، وسلمتها للمشرف وكان هناك أخطاء ولكن لضيق الوقت لم أستطع تعديلها، وطلبت تمديدا من القسم بالجامعة وقبل.
المشكلة الآن عاد إلي الفتور والكسل ومتوقف منذ شهرين، ولا أستطيع المكوث على الحاسوب والأوراق أكثر من عشر دقائق، وأتضايق بمجرد التفكير في الأمر ولماذا التأخر؟ وأن يسألني أحد من البشر انتهيت حصلت على الماجستير، وخصوصا أن السنة القادمة سوف تكون الخامسة -إن شاء الله- وزملائي قد انتهوا واستلموا الوثائق.
لا أدري ما هذا الأمر؟! هل أتركها وأريح نفسي من التفكير في هذا الأمر، ولكن أخاف أن أظل ألوم نفسي بقية الحياة؟ ماذا أفعل أنا في حيرة من أمري؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماجد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
في البداية لا ننصحك أن تترك مشروع الماجستير بعد أن وصلت إلى آخر الطريق ولم يبق عليك إلا آخر مرحلة، وكثيرا ما يحدث شيء من الملل أو الضجر في مثل هذه الحالة، ولكن بقليل من التفكير يمكنك أن تستعيد كل قواك الداخلية لتنطلق بقوة وتنجز التعديلات بأسرع وقت ممكن.
وإذا أردنا أن نعالج المشكلة فلا بد أن نقف معا على الأسباب التي أدت إليها وننطلق منها في رحلة العلاج، فما هي الأسباب التي تؤدي إلى الكسل والفتور:
1- عدم وضوح الهدف: لا بد أن يكون لك هدف واضح من دراستك، اسأل نفسك: ما هو هدفي من دراسة الماجستير؟
وأجب على السؤال بكل وضوح وصراحة، واحرص ألا يكون الهدف دنيويا محضا، بل اجعل لآخرتك الجزء الأكبر من هدفك، وعندما تتضح لديك الرؤية تماما اكتب هدفك على لوحة، وضعها في مكان بارز، بحيث تراها كلما فترت همتك، فتبث فيك روح الحيوية والنشاط من جديد.
يقول أحد كبار رجال الأعمال: "إن التركيز الشديد على هدف معين هو العامل الحاسم في النجاح، سواء في أمور المال أم في سواه، ويضيف قائلا: هناك شرطان للنجاح المتألق: أن تحدد لنفسك ما تريده بالضبط، وأن تعلم الثمن الذي يجب دفعه، وتكون مستعدا لدفعه".
2- إضاعة الوقت: هدر الوقت وإضاعته بأشياء لا تجدي نفعا ولا تجني منها فائدة من أكثر الأمور التي قد تسبب فتورا في الهمة، حيث يمر الوقت دون إنجاز مما يولد في نفسك الإحباط والكسل والفتور، لذلك لا بد أن يكون لديك برنامج محدد تقيد به وقتك وتنظمه، ولا بأس أن يتخلله ساعات فراغ تقضيها مع الأهل والأصدقاء، أو في ممارسة أي نشاط محبب إليك، واحرص أن يكون ضمن برنامجك وقت خاص لممارسة الرياضة، فالرياضة من النشاطات التي لها دور كبير في إثارة النشاط والحيوية، كما أنها تسهم في تنشيط خلايا الدماغ.
يقول الحسن البصري رحمه الله: "أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم". ونقل عن عامر بن قيس من التابعين "أن رجلا قال له: تعال أكلمك، قال: أمسك الشمس يعني أوقفها لي واحبسها عن المسير لأكلمك، فإن الزمن سريع المضي لا يعود بعد مروره، فخسارته لا يمكن تعويضها واستدراكها." ويقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما"، فاحرص على وقتك أشد الحرص، وأنصحك أن تحدد تاريخا لإنهاء الرسالة وأن تكتب هذا التاريخ بخط كبير على لوحة تراها أمامك في مكان بارز بحيث تراها كل يوم.
3- عدم وجود الحافز والدافع: إن غياب الحافز والدافع قد يسبب الفتور ومن أقوى الحوافز التي تدفع الإنسان إلى المضي قدما التنافس مع أقرانه، وقد نبهنا قرآننا الكريم إلى طبيعة النفس البشرية في أكثر من موضع، قال تعالى:(وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) وقال تعالى: (وسارعوا إلىٰ مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين).
اجعل لنفسك منافسا قويا من زملائك، فإن لم تجد فاجعل من نفسك ذاك المنافس، وذلك بأن تتحدى نفسك أن تنجز دراسة هذا الفصل من الرسالة على سبيل المثال في يوم كذا بتاريخ كذا، أو أن تتحدى نفسك على أن تنجز الرسالة في الوقت المحدد، وأن تحصل على درجة ممتاز مع مرتبة الشرف.
4- التسويف والتأجيل: لا تؤجل عمل يومك إلى غد، وبادر من هذه اللحظة إلى الخطوات العملية لإنجاز مشروعك.
وأنصحك أن تعتزل الناس برهة من الزمن وأن تنقطع على المناسبات الاجتماعية والسهرات واللقاءات حتى تنجز رسالتك فهي التي ينبغي أن تكون على أعلى جدول أعمالك.
5- التقصير في العبادة والبعد عن الله، أنصحك أن تحافظ على الصلوات في أوقاتها، واحرص أن تكون في جماعة وخاصة صلاة الفجر، والزم المسجد بعد صلاة الفجر وليكن لك ورد من القرآن الكريم مع الاستغفار وغير ذلك من الأذكار، فهاهنا تقسم الأرزاق، ليس الأرزاق المادية فحسب بل المعنوية أيضا.
يقول ابن الجوزي:وقد عرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حثت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم، أو كسلا فالجأ إلى الموفق، فلن تنال خيرا إلا بطاعته، ولن يفوتك خير إلا بمعصيته، فمن الذي أقبل عليه ولم ير كل مراد؟ ومن الذي أعرض عنه فمضى بفائدة أو حظي بغرض من أغراضه.
أسأل الله أن يرزقك الهمة العالية، ويجعلك من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة اللهم آمين.